توقيت القاهرة المحلي 03:03:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على أبواب الجحيم!

  مصر اليوم -

على أبواب الجحيم

بقلم - عبد المنعم سعيد

مررنا توًّا بالذكرى الحادية عشرة لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التى قطعت فيها مصر مشوارًا طويلًا وصعبًا من ناحية؛ وانتهزت فرصة ثمينة وقوة دفع من ناحية أخرى؛ ولم تسلم طوال الوقت من تحديات جسام لا تزال تواجهها وتصارعها بقدرات كبيرة للصمود والتحمل والإصرار. لم يكن الحال فى نقطة البداية سهلًا بعد سقوط الإخوان، وبصراحة لم يكن لدى القوى الوطنية مشروع وطنى للتغيير اللهم إلا من مجموعة من الشعارات النبيلة. كان الصمود للصعوبات ضروريًّا فى المرحلة الانتقالية، وجرى فيها الانتقال بسلاسة بقيادة الرئيس عدلى منصور أولًا إلى وضع دستور ٢٠١٤، وثانيًا الانتصار فى المعركة مع الإخوان بحماية القوات المسلحة، وعقد الانتخابات الرئاسية التى تولى بعدها الرئيس عبدالفتاح السيسى اعتبارًا من ٣٠ يونيو ٢٠١٤. وخلال عشر سنوات بدأت مسيرة كبيرة للتنمية العمرانية لمواجهة أعتى المعضلات المصرية التى قامت على اختلال التوازن ما بين الجغرافيا التى لا يزيد فيها العمران على ٧٪ من المعمور المصرى؛ والديمغرافيا التى بلغت فيها مصر ١١٠ ملايين نسمة، أى زادت مصر بما مقداره ٢٠ مليون نسمة.

تصحيح هذا التوازن كان هو المهمة الأساسية للمشروع الوطنى المصرى، الذى عابه أن المعرفة به فى شموله وأهدافه لم تكن معلومة ولا متداخلة فى الوعى المصرى. التوجه العام ترجمته رؤية ٢٠٣٠ المصرية، وقامت على انتقال التوجه التنموى المصرى من نهر النيل المتكدس بالسكان فى الدلتا والوادى إلى البحار والخلجان المصرية، بحيث بلغ المعمور المصرى قرابة ١٥٪ من المساحة الكلية المصرية؛ بمعدل نمو إيجابى بلغ فى عام ٢٠١٩- ٢٠٢٠ ما قدره ٦.٦٪. قامت عملية التنمية الكلية على أسس من السرعة والسباق مع الزمن، والرؤية المستقبلية غير المقيدة بتقاليد فترات سابقة قامت فى الأساس على إدارة الفقر فى مصر، وما جاء بديلًا له كان إدارة الثروات المصرية.

كان أهم الإنجازات المصرية قبل نهاية العقد السابق هو القضاء على الإرهاب، الذى بلغت تكلفته الكلية بما فيها تكاليف الفرص الضائعة حوالى ٤٠٠ مليار دولار؛ ومعه تمكنت مصر من القضاء على «فيروس سى» للكبد الوبائى، الذى كانت مصر تتصدر فيه القائمة الدولية. السنوات التالية لم تكن رحيمة بالضغوط التى تولدت من جائحة الكورونا والحرب الروسية الأوكرانية ومن بعدها حرب غزة، التى تولدت عنها ارتباكات كبيرة فى التوازن المالى المصرى. ورغم ارتفاع نسب التضخم إلى نسب غير مقبولة، فإن مسيرة البناء ذاتها لم تتوقف، ورغم الادعاءات الكثيرة والحملات الإعلامية من قِبَل الإخوان المسلمين، وما ورد من شكوك «فقه الأولويات» فى ذهن النخبة المصرية، فإن الشعب المصرى تحمل هذه الضغوط من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه لم تحدث احتجاجات سياسية، وإنما حدث حوار وطنى، ولا مجاعة، وإنما محض إعادة ترتيب أولويات الأسرة المصرية، ولا أزمة فى الإسكان، وإنما مطالبات بتحرير السياسة الإسكانية المصرية من القيود القائمة عليها من سياسات سابقة، ولا أزمة فى المرور، وإنما سلاسة كبيرة فى الحركة. حدث كل ذلك، بينما بدأت مصر مرحلة لتصحيح الارتباكات الجارية فى اقتصادها سواء بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى أو مع الدول العربية الشقيقة أو بالدفع بوزارة جديدة أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات الجارية والجديدة.

الآن، ومصر تمر بهذا المنعطف، فإنها تقف على أعتاب أزمة إقليمية عميقة وشاملة للإقليم العربى والشرق الأوسط كله ومدار البحر الأحمر والقرن الإفريقى. الأزمة تفتح أبواب الجحيم من خلال الاحتمال الذى تتوجه إليه القيادات الإسرائيلية لشن الحرب على الجبهة اللبنانية، بينما تتربص قوى الحشد الشعبى وحزب الله العراقى للتداخل فى ميدان المعركة من خلال سوريا. المؤكد أن جبهة البحر الأحمر التى حصلت على المزيد من التسلح الصاروخى المتقدم لن تتوانى فى أن يقوم الحوثيون بزيادة هجماتهم على الملاحة والتجارة. أكثر من ذلك، فإن الجماعة اليمنية الموالية لإيران ترغب فى أن تجعل مساحة التصادم شاملة لبحر العرب والمحيط الهندى وربما الخليج أيضًا مثلما فعلت من قبل عندما قامت بقصف مضخات النفط لشركة «أرامكو» السعودية وإمارة وميناء الفجيرة الإماراتى، فضلًا عن مطار أبوظبى الدولى. محصلة كل هذا اللهب هى مواجهة إيرانية إسرائيلية، والمرجح أمريكية أيضًا، تغلق الدائرة بانفجار كبير كله نار ولهب؛ وحرائق تفتح الأبواب مرة أخرى لجماعات إرهابية وميليشيات تعبث بسيادة الدول وكرامتها وربما وجودها ذاته.

هذه النظرة فيها الكثير من التشاؤم والأخذ بأكثر السيناريوهات سوءًا لحركة الأطراف المختلفة فى المنطقة، والتى باتت مصابة بأمرين يدفعان إلى الصدام: أولهما الدفع بالدين إلى ساحة الصراع، وهو ما يعنى تحولًا فى الصراعات المختلفة إلى عمليات «وجودية» يصعب التحكم فيها. التدفق الدينى الكبير على السياسة الإسرائيلية، والذى أفصح عن أكثر التيارات الصهيونية تعصبًا ونية على تفريغ الأراضى الفلسطينية من أهلها؛ أعطى الكثير من الشرعية للكثير من تيارات الإسلام السياسى، التى تتأهب تحت رايات إنقاذ فلسطين لاستعادة ما خسرته بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وثانيهما التهديد الإيرانى من منطلقات شيعية وقومية للهجوم أو لابتزاز شركاء مصر الاستراتيجيين فى الخليج وشبه الجزيرة العربية. النتيجة هى أن المشروع الوطنى المصرى سوف يتعرض لأخطار بالغة تدفع إلى التفكير فى مواجهتها، الآن وليس ساعة حدوثها.

الدول عادة تواجه التحديات الكبرى والمصيرية إما بالاعتماد الكامل على نفسها؛ أو أنها تبنى تحالفًا مع القوى المماثلة لها فى مواجهة الأخطار لموازنة التحالفات المضادة. وبالنسبة لمصر، فإن المرحلة الحالية من تطورها لا تعطيها الفرصة فى الاحتمال الأول، الذى فى الحقيقة لا يمكن تخيله إلا فى الدول العظمى. ولكن وفى الوقت الراهن فإن هناك تحالفًا من إيران مع مجمع الميليشيات فى العراق وسوريا ولبنان واليمن فيما يسمى معسكر «المقاومة والممانعة»، الذى يعتمد ذهنيًّا على فكر الإخوان المسلمين فى المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة. بناء تحالف مضاد لذلك من الدول التى نجت من «الربيع العربى» فى الخليج، ودولة مصر التى أقصت الإخوان، وجميعها تمر بمراحل مختلفة من الإصلاح، وتجتمع على التنمية الشاملة فى الداخل والاستقرار الإقليمى فى الخارج؛ وثقافيًّا تسعى نحو تجديد الفكر الدينى وبناء الدولة الوطنية، التى تقوم على أساس المواطنة والمساواة ورفض التمييز بين البشر على أساس من النوع أو الدين أو المذهب أو اللون. هذه الدول أصدرت بيانًا فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣ فى أعقاب مؤتمر السلام، الذى انعقد فى القاهرة للتعامل مع الحرب التى بدأت بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ وجاء فى البيان الكثير من المبادئ الداعية إلى رفض ضرب المدنيين والدعوة إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات للشعب الفلسطينى وتفعيل عمل السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى. نقطة البداية هذه بما فيها من دعوة إلى الاستقرار وتماثل الرؤى مدعوة إلى بناء تحالف يكون له ما بعده لاستعادة روح الإصلاح فى المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على أبواب الجحيم على أبواب الجحيم



GMT 03:01 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

الأقدام تتقدم

GMT 02:56 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

انتخابات رئاسية لا معنى لها في إيران

GMT 02:46 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

الجنسية السعودية و«الرؤية»

GMT 02:36 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

انتخابات بريطانيا... حقائق خلف الأرقام

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي
  مصر اليوم - اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 20:17 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

كوبر يقرراستبعاد كريم حافظ من معسكر الفراعنة

GMT 20:26 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

إجراء قرعة تصفيات أمم أفريقيا للشباب في شباط المقبل

GMT 18:17 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عز الدين تحذر الفتيات من رسم الوشم

GMT 00:38 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

" أمينة خليل تشارك خالد النبوي في "منطقة محرمة

GMT 23:52 2016 الأحد ,25 أيلول / سبتمبر

محمد ابو المجد المصري أحمد

GMT 07:09 2024 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

كتاب جديد عن بايدن يعترف فيه بأنه يشعر بالتعب

GMT 13:56 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

نصائح لاختيار المجوهرات بحسب لون العين

GMT 07:45 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان دريد لحام يكشف سبب غيابه عن السينما المصرية

GMT 09:39 2021 الخميس ,29 تموز / يوليو

وصول سفينة الحاويات "إيفر جيفن" إلى روتردام

GMT 00:41 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

بلقيس تتعرض لوعكة صحية بسبب ميكروب في المعدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon