توقيت القاهرة المحلي 00:11:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسألة قناة السويس!

  مصر اليوم -

مسألة قناة السويس

بقلم - عبد المنعم سعيد

ونحن على أبواب انتخابات جديدة، يجب أن يتسم الداخلون الجدد للساحة السياسية بالمسؤولية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى للأمن القومى المصرى، ففى مثل هذا المجال لا ينبغى التعامل مع قضايا معقدة، ولها ملفاتها الخاصة، والدخول إلى مجال المبارزات الدعائية فى مجال تنافسى. وقبل أيام، نشرت مقالًا عن «مسألة سد النهضة» للتعامل مع قضية لا تتحمل فى خطورتها العبث أو إحراز نقاط سياسية فى معركة انتخابية. والآن، فإن نفس الغيوم الانتخابية تقترب من قناة السويس، بعد الإعلان فى قمة «العشرين» عن نية القيام بمشروعين ينطلقان من الهند إلى الشرق الأوسط ثم إلى أوروبا. ما صدر عن الموضوع لا يحدد مدى زمنيًّا ولا تكلفة معروفة، وبالتالى مَن سوف يدفع لهذا المشروع ولا لماذا مشروعان دفعة واحدة، وكل واحد منهما يحتاج تريليونات الدولارات، فى وقت تراجع فيه التعاون الدولى. تناقضات الدول الكبرى، وخاصة الغائبة عن اجتماع المجموعة- الصين وروسيا- لا تشير إلى توافق دولى يسمح بوضع جدى للمشروعين على قائمة التعامل الدولى. مثل هذين المشروعين يوجد وينافس نظريًّا المشروع الصينى «الحزام والطريق»، الذى يضع مصر وقناة السويس فى مكانة مرموقة. وما حدث أن ما جاء فى إعلان الدول العشرين أصاب المرشحين للرئاسة بذعر كبير لا يليق بمَن يرغب فى قيادة الدولة المصرية؛ وكثر بينهم القول إن ما حدث من إعلان يعكس تراجع الدور الدولى لمصر، وهى نقطة رخيصة تتجاهل واقع ما يحدث فى العالم ممن يريدون تجاوز القناة من خلال خلق بدائل لها، والأهم كيف تعاملت وتتعامل الدولة المصرية مع القضية من خلال زيادة القدرة التنافسية للقناة بحيث تتفوق اقتصاديًّا على كل المشروعات الأخرى.

المعروف حتى الآن أن هناك أربعة مشروعات تحاول تجاوز قناة السويس: الأول ذائع بقوة عن المشروع الإسرائيلى لربط ميناء إيلات على خليج العقبة، وبالتالى البحر الأحمر، وميناء أشدود على البحر المتوسط لنقل البضائع من الشرق إلى الغرب باستخدام قطارات سريعة للناس والبضائع. والثانى مشروع عراقى تركى لنقل ذات البضائع من الخليج العربى إلى أوروبا من خلال خط للسكك الحديدية السريعة أيضًا. والثالث إيرانى روسى لنقل بضائع الشرق إلى الغرب ومن خلال خطط للسكك الحديدية السريعة كذلك. والرابع روسى خالص جاء نتيجة التغييرات المناخية التى أذابت طريقًا وسط القمم الثلجية للقطب الشمالى يسمح بنقل بحرى للبضائع من شرق العالم إلى غربه. المشروعات الثلاثة الأولى لا تزال فى دور التفكير، أما الرابع الروسى فقد دخل دور التنفيذ، ولكنه لم يؤثر على قناة السويس نتيجة زيادة قدراتها التنافسية.

ما لا يُذكر فى هذا المجال أن مصر دخلت فى هذا التنافس بقوة، محققة انتصارات باهرة، كان أولها فى عصور سابقة عندما لم تكتفِ فقط بحفر قناة السويس، وإنما عندما لاحت الفرصة لوجود تعاون عربى حقيقى بإنشاء خط سوميد لنقل النفط العربى من البحر الأحمر إلى سواحل البحر المتوسط. المشروع الوطنى المصرى الحالى زاد بتنافسية القناة إلى الدرجة التى جعلتها تكاد تضاعف دخلها من خلال تفريعة إضافية زادت من سرعة المرور فى القناة، وتعميق مجرى القناة لكى يمر من القناة أعلى الحمولات الموجودة فى العالم، وإقامة محور تنموى متعدد الأغراض لا يجعل من القناة محض رحلة للعبور، وإنما ساحة للتجارة واللوجستيات لدول العالم شرقًا وغربًا. العلاقة الجدلية هنا بين قناة السويس فى صورتها الجديدة، ومحورها التنموى تتفاعل تنمويًّا مع إقليم سيناء بالكامل، فلم يكن بعيدًا عن مشروع القناة إنشاء ستة أنفاق كبرى تحت مياه القناة لكى تفتح شرايين الدلتا ويخرج منها البشر والبضائع والسلع لكى تتعامل مع حزمة من الموانئ المتكاملة فى العين السخنة والأدبية والعريش. وكأن كل ذلك ليس كافيًا، فإن مصر دخلت باب القطارات السريعة من بابين: باب الخط السريع من مدينة العلمين على البحر الأبيض إلى ميناء العين السخنة على البحر الأحمر، (تفريعات الخط بعد ذلك قصة أخرى)؛ وباب الخط السريع أيضًا من طابا على خليج العقبة إلى العريش على البحر الأبيض. الفارق ما بين القطارات السريعة فى مصر وتلك فى الدول الأخرى أنها دخلت بالفعل إلى دور التنفيذ، على عكس المشروعات التى لا تزال تدور فى مراحلها النظرية.

ما يدهش فى النخبة الفكرية والاقتصادية المصرية أن أعلامًا مهمة منهم وضعوا سلسلة القطارات السريعة المشار إليها على قمة المشروعات، التى يريدون وقفها مراعاة للأزمة الاقتصادية الراهنة، باعتبارها نوعًا من «الترف»، الذى لا تتحمله مصر خلال هذه المرحلة. الآن، ومع إعلان مجموعة العشرين، فإن النخبة السياسية، ممثلة فى شخصيات عامة وقيادة مرشحة لرئاسة الجمهورية، أخذت تكيل اتهامات الضعف للدولة المصرية لأنها «فشلت» فى مواجهة دول مجموعة العشرين. تم طرح هذه الاتهامات دون ذكر مشروع مصرى واحد من تلك المشار إليها، التى من الناحية العملية أعطت قناة السويس قدرات تنافسية كبرى فى مناخ عالمى شديد التنافسية. وبقدر ما كانت القناة دعمًا لتنافسية مصر استراتيجيًّا واقتصاديًّا، فإن مصر باتت تدعم وتبنى تنافسية القناة بصورة هائلة.

وما يبدو مفجعًا فى موقف النخبة والمرشحين هو العجز الكامل عن استيعاب المشروع الوطنى المصرى للتنمية المستدامة، التى تربط الأطراف المصرية ليس فقط من النيل إلى البحر، وإنما أيضًا من البحر إلى البحر. قد يبدو ذلك نوعًا من الخيال الذى يتعذر وجوده فى مصر لأن الأسقف الموضوعة لمصر وما فيها من طاقات منخفضة للغاية. ولكن الثابت أن هذه النخب السياسية والفكرية مهتمة سواء كان ذلك فى مسألة سد النهضة أو مسألة قناة السويس بمدى قدرة مصر على أن تكون لها أصوات عالية فى المحافل الدولية، وحناجر أعلى فى المحافل الإقليمية، وفى كليهما تكون الصيحات بلا عائد تحبط فيه «المواقف» التى لا تجدى السياسة التى تقوم بالتغيير.

ما هو حادث يعكس حجم الذعر القائم من الأزمة الاقتصادية الراهنة لدى النخبة الفكرية والاقتصادية، ومدى الثبات الانفعالى الموجود لدى النخبة المصرية السياسية وهى تقف على أبواب انتخابات عامة. ما تحتاجه مصر فى هذه المرحلة ليس النكوص فى مشروعها التنموى والتراجع عنه، وإنما المضى فيه، مع تشغيل ما جرى من تغيير فى الطاقات القومية، ممثلة فى إدارة مياه النيل والبحر والزراعة والصناعة، وقائمة فى نهاية طريق التكامل داخل البناء الجغرافى والديموغرافى المصرى. أهم ما أنجزناه خلال المرحلة السابقة هو أن مصر لن تتراجع عن طريقها، كما أن تقدمها هو صياغة للمنافسات القائمة على المجالين الإقليمى والدولى. هنا لا يوجد مجال لعقبات طال انتظار التعامل معها، تبدأ بما يقوم به النظام الإدارى المصرى من عقبات أمام التنمية المصرية، ممثلة فى القطاع الخاص المصرى، والاستثمار الأجنبى؛ ولا تنتهى بما تحتاجه المحليات المصرية من إطلاق طاقاتها لكى تضاعف من معدلات النمو المصرية خلال المرحلة المقبلة حتى عام ٢٠٣٠.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة قناة السويس مسألة قناة السويس



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:33 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - محمود حميدة يتسلم جائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان الجونة

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 03:26 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

عقار من سم العنكبوت لعلاج تلف النوبة القلبية

GMT 12:51 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

كيكة الشوكولاتة

GMT 21:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على الفرق الـ "الأربعة" المتأهلة إلى كأس العالم للأندية

GMT 11:36 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يكشف الاستاد الأقرب لاستضافة نهائي كأس مصر

GMT 10:23 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسوان يسافر إلى الإسماعيلية استعدادًا لمواجهة الدراويش

GMT 13:14 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة دبي تتراجع بنسبة 0.93% بجلسة الأحد

GMT 17:39 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا تسجل 14 وفاة و 3157 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 19:04 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم السبت ٣ تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 01:04 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

170 جنيها ثمن لقاح تطعيم الإنفلونزا الموسمية

GMT 10:45 2020 السبت ,08 آب / أغسطس

تعرف على العمر الحقيقي ليسرا اللوزي

GMT 06:06 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

اكتشاف سلالة جديدة من إنفلونزا الخنازيرفي الصين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon