توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفكير في يناير 2023

  مصر اليوم -

التفكير في يناير 2023

بقلم: عبد المنعم سعيد

يشكل شهر يناير (كانون الثاني) من كل عام مأزقاً للكتاب والمعلقين والمحللين وأصحاب الرؤى والحدس؛ حيث يتواتر عليهم الطلب برصد التوقعات والتنبؤات حول ما سوف يأتي ويكون خلال العام الذي فتحت أبوابه عن آخرها. وفي سابقة شهيرة قدمتها الكاتبة روبين رايت في صحيفة «نيويوركر» - وهي تتعقب كيف أن حروب عام وأزماته سوف تغطيان على عام - فإن سيدة نشرت نبوءة في عام في مجلة عن شخص يشبه جون كينيدي سوف يفوز في الانتخابات الرئاسية وبعدها سوف يموت قبل أن تنتهي فترة ولايته الأولى. أصبحت السيدة شهيرة، ونسي الناس أنها تنبأت أيضاً بأن الحرب العالمية الثالثة سوف تنشب، وأن الاتحاد السوفياتي سوف يكون أول من يصل إلى القمر!
طبعاً كذب المنجمون ولو صدقوا أحياناً؛ لأن ما تبقى كان قراءة لاحتدام الحرب الباردة، وسباق الفضاء الذي كانت موسكو وقت النبوءة في الطليعة. لن نعود بعيداً في الماضي؛ حيث إن العصر الحديث يوحي بأن الفشل أكثر من النجاح فيما يتعلق بالتفكير في شهر يناير حول ما سوف يحدث خلال العام «الجديد». لم يكن أحد يعلم أن الثورات سوف تكف عن الحدوث في شهر يوليو (تموز) المعتاد حينما ترتفع درجات الحرارة وتصبح السلطات في غيبوبة الإجازة السنوية، وتنتقل دون معرفة أحد إلى شهر يناير حيث البرد القارس، وخوفاً من اختلاط الأمور أطلق كتّاب الغرب كلهم على الثورات العربية في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين اسم «الربيع العربي». لم يكن أحد وقتها يعلم أن ما جرى في تونس ومن بعدها مصر سوف يمتد إلى سوريا واليمن وليبيا، وما زالت تجري بعض من مشاهده في بلاد عربية أخرى. الطريف أن «الربيع» الذي احتفى به الغرب، تعدد امتداده إلى حروب أهلية استمرت طوال فصول السنة، وبعدها امتدت من العقد الثاني إلى العقد الثالث.
قبل ثلاثة أعوام لم يكن أحد يعلم، ولا يمكنه أن يتنبأ بما تخبئه الطبيعة، عندما بدا يناير شهراً عادياً، وجاءت التوقعات والتنبؤات فيه دون معرفة أن أمراً جللاً كان قد بدأ قبل شهرين عندما ظهرت أول حالات «كوفيد - » في الصين وبعدها لم تأت نبوءة بأن «الجائحة» سوف تمتد لأكثر من عام. كثر الحديث عن «المعتاد الجديد»، ونادراً في التاريخ ما تأتي التوقعات لكي تتحدث بما هو معتاد. وكان ذلك هو ما حدث في يناير عندما ركزت التوقعات على الانتعاش ومعدلات النمو العالية بعدما اكتشف العالم العلاج، واخترع اللقاح للوباء والبلاء.
جاء التنبؤ بحالة من التعاون الدولي، ورغم التحرشات هنا أو هناك في الساحة الدولية فإن العلاقات الأميركية الروسية، والأميركية الصينية لم تكن مدرجة ضمن التوقعات المتشائمة، ولكن هذا التفاؤل البادي لم يعد له محل بعد أيام من شهر يناير عندما اعترضته نذر دولية برزت من البيان المشترك الصيني الروسي في فبراير (شباط) الذي حث على تغيير النظام العالمي الذي نجم عن نهاية الحرب الباردة والذي قدم أولاً للعولمة التجارية والاقتصادية على مستوى العالم؛ وثانياً المكانة الخاصة للولايات المتحدة الأميركية في هذا النظام من حيث العائد والنفوذ في منظمة التجارة العالمية وهيمنة الدولار الأميركي على النظام الاقتصادي العالمي. ومن وقتها أصبح العالم في حالة مراجعة لكل النظام الدولي الذي استقر بعد نهاية الحرب الباردة والتي بالمناسبة لم يتنبأ بها أحد أو يتوقعها معلق ولا جهاز مخابرات.
لم يأت على خيال أحد متابعة منطق أنه في جميع حالات المراجعة للنظام الدولي فإنه إما أن يتم تعديل النظام بالتوافق بين أركانه الأساسية كما حدث عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وإما تنشب حرب لتحقيق توازن جديد كما حدث قبل نشوب الحرب العالمية الأولى. وكان هذا هو الخيار الذي نجم عن عمليات الحشد العسكري الروسية على الحدود الأوكرانية؛ وانقلبت في فبراير إلى حرب دخلت فيها القوات الروسية من ثلاث جبهات إلى أرض أوكرانيا. وكان للحرب مجال آخر بين روسيا وبجوارها بتأييد حماسي دول مثل بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا في جانب؛ والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة في جانب آخر. كان الرد الأميركي والغربي على الهجوم الروسي على أوكرانيا هو «المقاطعة» الاقتصادية، وانسحاب رؤوس الأموال والشركات الأميركية من «آبل» للكمبيوتر وحتى «ماكدونالد». تحولت الحرب الأوكرانية من كونها حرباً بين دولتين إلى أزمة عالمية شاملة كل دول العالم التي بدأ كل منها في إعادة ترتيب أوضاعه السياسية والاقتصادية بحيث تتعامل مع عالم جديد كان من أبرز ملامحه الصعود المثير للصين كقوة عالمية عظمى.
لم يقل لنا أحد في يناير إن كل ذلك سوف يحدث، ولم يصدق أحد المخابرات الأميركية عندما نشرت خطط الحرب الروسية، ولا أن الماضي وليس المستقبل سوف يعود بقوة عندما وضع الرئيس الروسي بوتين القضية كلها في إطار العلاقات الروسية الأوكرانية في الإطار الذي كانت فيه روسيا القيصرية. الرئيس بايدن كان تواقاً لمعركة آيديولوجية فجعل العالم مصطفاً بين «الديمقراطيين» و«السلطويين» لكي يحل محل عالم منقسم ما بين «الرأسمالية» و«الشيوعية»، و«الليبرالية» و«الاشتراكية». لم يعد العالم جديداً، ولا العولمة شريعة العلاقات الدولية، وحينما حل العام الجديد لم تعد هناك فيه لا بشرى ولا بشارة، وإنما امتداد لما كان في العام السابق. أصبح هناك رصد يشيع فيه الاستسلام لعالم غارق في حرب ممتدة؛ وبينما تعبئ روسيا جنودها بمئات الألوف، فإن حلف الأطلنطي يقدم صفقات أسلحة جديدة مزدحمة بأشكال كثيرة من الدبابات القادرة على عبور الحدود. الحرب بات لها جولاتها بين الهجوم الروسي، والهجوم الأوكراني المضاد، واحتلال مدن والخروج منها. آثار التدمير بادية في أوكرانيا، وبوادر الإنهاك ظاهرة على روسيا، وما بين كلتيهما لا يوجد إلا ما سماه عالم العلاقات الدولية جوزيف ناي «الشتاء الدبلوماسي»، حيث لا توجد في الساحة إلا محاولة صغيرة تقوم بها تركيا لتبادل الأسرى أو عقد صفقات لمرور الغذاء أو إنقاذ مفاعل نووي قبل أن يقوم بتدمير العالم بإشعاعاته العابرة للقارات.
بعد ثلاثة أسابيع من شهر يناير فإن الحذر من التوقع والتنبؤ بات منتشراً، اللهم إلا محاولات للاستفادة من تجربة العام الماضي وتجنب الأزمات المتفرعة عنه. وحتى لا ينتهي المقال دون توقعات قد تكون مفيدة فإن العلاقات الدولية في العالم عادت إلى قواعدها الأولى، وأولها أنه لا توجد بين الدول علاقات صداقة مطلقة أو علاقات عداء دائم، الدائم الوحيد هو المصالح العليا للدول. ولا يوجد ما يمنع أبداً من قيام الدول بنشر أجنحتها بين دول وكتل متناقضة بل، وحتى ندور بينها حرب. وثانيها أن ما يبدو حقيقة واحدة ثابتة تقال في يناير من كل عام هو أن صعود الصين لمكانة الدولة العظمى أصبح حقيقة ثابتة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير في يناير 2023 التفكير في يناير 2023



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon