توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زمن المراجعات الكبرى

  مصر اليوم -

زمن المراجعات الكبرى

بقلم - عبد المنعم سعيد

وصلت إلى الولايات المتحدة، لأول مرة، فى ٢٩ سبتمبر ١٩٧٧ لاستكمال دراساتى العليا؛ وبعد خمسين عامًا، فإن الصلة لم تنقطع مع السياسة الأمريكية ولا مع الإعلام الأمريكى ولا مع الأكاديمية الأمريكية، سواء كانت التى فى الجامعات أو مراكز البحوث أو كبرى المؤسسات فى بلاد العم سام. وخلال هذه الفترة الطويلة من الاتصال والمتابعة والكتابة والمحاضرة، فإنه لم يحدث أن سمعت أو شاهدت أو وجدت فى الولايات المتحدة ما سمعته وما شاهدته وما وجدته خلال السنوات القليلة الماضية من مناظرات وحوارات وانقلابات فى النظرة إلى الولايات المتحدة فى سياساتها وتاريخها. وفى مقال مهم للدكتور محمد كمال «حوارات غربية».

نُشر فى الأهرام الغراء يوم الأربعاء ٢٤ أغسطس الجارى، ناقش الحوارات الجارية داخل الولايات المتحدة حاليًا، وكلها «مراجعات» لأمور جوهرية، من أول دور الدولة فى الاقتصاد بالامتداد أو بالتراجع، والمؤسسات الكبرى ومدى الثقة بها، وكيف يمكن للديمقراطية أن تجلب حكامًا فضلاء، وإلا فقدت أهميتها كنظام سياسى أفضل من النظم السياسية الأخرى. وللحق، فإن المراجعة لم تحدث فى الولايات المتحدة فقط، فهى جارية فى أوروبا وبشدة، وجرَت بقسوة مريرة داخل روسيا عن تاريخها القديم وتاريخها المعاصر، ورغم أن الظواهر لا تَشِى بكثير من المراجعة فى الصين، فإن أبوابها تبدو مفتوحة على مصراعيها ما بين الجديد والقديم، وهكذا الحال يسرى فى اليابان والهند ودول أخرى. ما يسمى المناظرات العظمى والحوارات الكبرى يجرى على قدم وساق فى معظم أنحاء العالم، وأحيانًا توجد فيما بينها تشابهات تلونت بلون كل عصر؛ ولكن الدافع لها دومًا حدوث تغيرات كبرى دفعت إلى ضرورة إعادة النظر، ليس فقط فيما هو قائم وإنما أيضًا فى الزمن الذى سبق، والآخر الذى سوف يأتى. «الجائحة» كانت، ولا تزال، نقطة فاصلة فى التاريخ البشرى، وفى مقال سابق أشَرْت إلى ثلاث مناظرات كبرى دارت حول الأولوية هل هى للاقتصاد أم حياة البشر، وهل النظم الديمقراطية أم المركزية هى الأكثر كفاءة فى التعامل مع البلاء، وأخيرًا هل الدولة أم السوق الأقدر على مواجهة الكارثة؟.

الآن لم تعد الكورونا وحدها واقفة فى مفترق الطرق، وإنما مضافًا إليها الأزمة/ الحرب الأوكرانية الممتدة، وتجثم على قلب الجميع حالة من التغيرات التكنولوجية، التى باتت وثْبَات تمضى بين غمضة عين وانتباهتها؛ وقبل كل ذلك وبعده لم يكن العالم ساكنًا، وإنما كانت تجرى عليه تغيرات تاريخية أخذت مجراها فى كل العصور. فى العالم العربى- رغم أنه قبل عقدين فقط كان متهمًا بالجمود والتكلس و«الاستثناء» من مسيرة التقدم العالمية- فإنه الآن بات موطنًا ليس فقط للثورة والعنف والإرهاب والحروب الأهلية، وإنما أكثر أهمية من ذلك كانت موجة الإصلاح الغالبة فى العديد من البلدان العربية، والقائمة على «الدولة الوطنية» والتنمية الشاملة والسريعة. انقلب الحال فى مصر، وبعد أن كانت البيروقراطية المصرية متهمة بالبطء والخمول ومعاكسة الإصلاح، فإنها الآن متهمة بالسرعة والتسرع والتوسع الأكثر مما يلزم. فى المملكة العربية السعودية، كان أقصى ما هو مطلوب أن تتمكن النساء من قيادة السيارات، فإنها الآن تقف شامخة فى كل الاتجاهات تقود «أوبر»، وتشارك فى إدارة المطارات. مراجعة التاريخ كانت ضرورية، ولم يكن «موكب المومياوات» و«طريق الكباش» إلا مؤشرًا لعصور زاهرة قادمة وليست ذاهبة. السعودية وجدت تاريخها ممتدًا إلى ثمانية آلاف عام، وحكمها إلى أكثر من أربعة قرون؛ وفى كلتا الدولتين امتد المعمور فى الأولى من نهر النيل إلى بحار وخلجان، وفى الثانية امتد الحاضر إلى كامل شبه الجزيرة العربية.

لم يحدث ذلك إلا من خلال مراجعات مؤلمة، ورغم أزمات وانتكاسات قاسية، وعالم يتقلب بين العداء والصداقة، وإقليم لا يتخلص من جراحه بسهولة، وأجيال جديدة خرجت إلى الدنيا طازجة بمذاقات ورؤى تتطلب الكثير من الفهم والتعامل الواعى. كان الجد- رحمه الله- يوصى دائمًا فى تربية النشء بمراعاة أنهم وُلدوا لزمان «غير زمانكم»؛ وهو ما يجعل الكشف عن أزمنة جديدة فى مداها وأبعادها وظيفة اجتماعية وسياسية من الطراز الأول. هل يمكن للحوار السياسى المفترض دورانه الآن أن يسهم فى هذه المهمة، التى تقوم على مراجعة الأزمنة والخروج بمسارات تخرج إلى جوهر عالمنا وتترك خلفنا عوالم فاتت وراحت ولم يبقَ منها إلا ذكريات بعضها يلمع وحلو وبعضها الآخر خافت ومر، ولم يبقَ منها فى كل الأحوال إلا نصيب للمؤرخين، أما بالنسبة للأمة فإن المستقبل فسيح ورحب وواسع لمَن يجتهد ويعمل ويراجع؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن المراجعات الكبرى زمن المراجعات الكبرى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon