توقيت القاهرة المحلي 10:30:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زمن المراجعات الكبرى

  مصر اليوم -

زمن المراجعات الكبرى

بقلم - عبد المنعم سعيد

وصلت إلى الولايات المتحدة، لأول مرة، فى ٢٩ سبتمبر ١٩٧٧ لاستكمال دراساتى العليا؛ وبعد خمسين عامًا، فإن الصلة لم تنقطع مع السياسة الأمريكية ولا مع الإعلام الأمريكى ولا مع الأكاديمية الأمريكية، سواء كانت التى فى الجامعات أو مراكز البحوث أو كبرى المؤسسات فى بلاد العم سام. وخلال هذه الفترة الطويلة من الاتصال والمتابعة والكتابة والمحاضرة، فإنه لم يحدث أن سمعت أو شاهدت أو وجدت فى الولايات المتحدة ما سمعته وما شاهدته وما وجدته خلال السنوات القليلة الماضية من مناظرات وحوارات وانقلابات فى النظرة إلى الولايات المتحدة فى سياساتها وتاريخها. وفى مقال مهم للدكتور محمد كمال «حوارات غربية».

نُشر فى الأهرام الغراء يوم الأربعاء ٢٤ أغسطس الجارى، ناقش الحوارات الجارية داخل الولايات المتحدة حاليًا، وكلها «مراجعات» لأمور جوهرية، من أول دور الدولة فى الاقتصاد بالامتداد أو بالتراجع، والمؤسسات الكبرى ومدى الثقة بها، وكيف يمكن للديمقراطية أن تجلب حكامًا فضلاء، وإلا فقدت أهميتها كنظام سياسى أفضل من النظم السياسية الأخرى. وللحق، فإن المراجعة لم تحدث فى الولايات المتحدة فقط، فهى جارية فى أوروبا وبشدة، وجرَت بقسوة مريرة داخل روسيا عن تاريخها القديم وتاريخها المعاصر، ورغم أن الظواهر لا تَشِى بكثير من المراجعة فى الصين، فإن أبوابها تبدو مفتوحة على مصراعيها ما بين الجديد والقديم، وهكذا الحال يسرى فى اليابان والهند ودول أخرى. ما يسمى المناظرات العظمى والحوارات الكبرى يجرى على قدم وساق فى معظم أنحاء العالم، وأحيانًا توجد فيما بينها تشابهات تلونت بلون كل عصر؛ ولكن الدافع لها دومًا حدوث تغيرات كبرى دفعت إلى ضرورة إعادة النظر، ليس فقط فيما هو قائم وإنما أيضًا فى الزمن الذى سبق، والآخر الذى سوف يأتى. «الجائحة» كانت، ولا تزال، نقطة فاصلة فى التاريخ البشرى، وفى مقال سابق أشَرْت إلى ثلاث مناظرات كبرى دارت حول الأولوية هل هى للاقتصاد أم حياة البشر، وهل النظم الديمقراطية أم المركزية هى الأكثر كفاءة فى التعامل مع البلاء، وأخيرًا هل الدولة أم السوق الأقدر على مواجهة الكارثة؟.

الآن لم تعد الكورونا وحدها واقفة فى مفترق الطرق، وإنما مضافًا إليها الأزمة/ الحرب الأوكرانية الممتدة، وتجثم على قلب الجميع حالة من التغيرات التكنولوجية، التى باتت وثْبَات تمضى بين غمضة عين وانتباهتها؛ وقبل كل ذلك وبعده لم يكن العالم ساكنًا، وإنما كانت تجرى عليه تغيرات تاريخية أخذت مجراها فى كل العصور. فى العالم العربى- رغم أنه قبل عقدين فقط كان متهمًا بالجمود والتكلس و«الاستثناء» من مسيرة التقدم العالمية- فإنه الآن بات موطنًا ليس فقط للثورة والعنف والإرهاب والحروب الأهلية، وإنما أكثر أهمية من ذلك كانت موجة الإصلاح الغالبة فى العديد من البلدان العربية، والقائمة على «الدولة الوطنية» والتنمية الشاملة والسريعة. انقلب الحال فى مصر، وبعد أن كانت البيروقراطية المصرية متهمة بالبطء والخمول ومعاكسة الإصلاح، فإنها الآن متهمة بالسرعة والتسرع والتوسع الأكثر مما يلزم. فى المملكة العربية السعودية، كان أقصى ما هو مطلوب أن تتمكن النساء من قيادة السيارات، فإنها الآن تقف شامخة فى كل الاتجاهات تقود «أوبر»، وتشارك فى إدارة المطارات. مراجعة التاريخ كانت ضرورية، ولم يكن «موكب المومياوات» و«طريق الكباش» إلا مؤشرًا لعصور زاهرة قادمة وليست ذاهبة. السعودية وجدت تاريخها ممتدًا إلى ثمانية آلاف عام، وحكمها إلى أكثر من أربعة قرون؛ وفى كلتا الدولتين امتد المعمور فى الأولى من نهر النيل إلى بحار وخلجان، وفى الثانية امتد الحاضر إلى كامل شبه الجزيرة العربية.

لم يحدث ذلك إلا من خلال مراجعات مؤلمة، ورغم أزمات وانتكاسات قاسية، وعالم يتقلب بين العداء والصداقة، وإقليم لا يتخلص من جراحه بسهولة، وأجيال جديدة خرجت إلى الدنيا طازجة بمذاقات ورؤى تتطلب الكثير من الفهم والتعامل الواعى. كان الجد- رحمه الله- يوصى دائمًا فى تربية النشء بمراعاة أنهم وُلدوا لزمان «غير زمانكم»؛ وهو ما يجعل الكشف عن أزمنة جديدة فى مداها وأبعادها وظيفة اجتماعية وسياسية من الطراز الأول. هل يمكن للحوار السياسى المفترض دورانه الآن أن يسهم فى هذه المهمة، التى تقوم على مراجعة الأزمنة والخروج بمسارات تخرج إلى جوهر عالمنا وتترك خلفنا عوالم فاتت وراحت ولم يبقَ منها إلا ذكريات بعضها يلمع وحلو وبعضها الآخر خافت ومر، ولم يبقَ منها فى كل الأحوال إلا نصيب للمؤرخين، أما بالنسبة للأمة فإن المستقبل فسيح ورحب وواسع لمَن يجتهد ويعمل ويراجع؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن المراجعات الكبرى زمن المراجعات الكبرى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon