توقيت القاهرة المحلي 00:11:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى ضرورة الديمقراطية!

  مصر اليوم -

فى ضرورة الديمقراطية

بقلم - عبد المنعم سعيد

الأستاذ أسامة غريب من الكُتاب اللامعين متعددى المواهب الكتابية في كتيبة «المصرى اليوم» الصحفية والأدبية. هو كاتب شامل يتحرك برشاقة كبيرة بين أدب الرواية والرحلات، والنظرة التي تفحص تناقضات العالم من منظور ثقافى وفلسفى مرهف وحساس، ولا بأس في أحيان أخرى من التعريض بها من خلال كوميديا حارَة «ودن القطة»، التي جعلها مثيرة بنوع من الكتابة المسرحية لا تمانع من جعلها مسرحًا للعالم.

لسوء حظى، فإننى لم ألتقِ بالكاتب الكبير أبدًا، ولكننى بحكم المكان والوظيفة والاهتمام أتابع كتاباته اليومية، ولفت نظرى عموده، الأسبوع الماضى، بعنوان: «هل الديمقراطية ضرورية؟»، الذي أشار فيه إلى نقاش قديم جرى منذ سنوات بين أستاذ الفلسفة د. فؤاد زكريا وأستاذ الاقتصاد د. جلال أمين، رحم الله كليهما. الأول قرأت ما كتبه باعتباره كان كاتبًا لليبراليين المصريين، ولكن لم تزد معرفتى به عن لقاءات عابرة في مناسبات اجتماعية. الثانى كانت المعرفة به وثيقة، ربما بسبب صداقته «العدائية» لصديقى د. سعد الدين إبراهيم؛ وربما أيضًا لأن الحوار معه كان دائمًا بديعًا، خاصة عندما أتاحت الظروف سفرًا مشتركًا إلى عواصم أخرى.

وكان أكثر ما يدهشنى منه هو أنه كان يخصنى دائمًا بإرسال مَن يأتونه من العواصم الغربية لكى يسمعوا وجهة نظر أخرى فيما ظننت تقديرًا لى أن ما لدىَّ يستحق أن يُسمع. فيما بعد وجدت أن تقديره هذا كان كبيرًا إلى الدرجة التي جعلت صوته حاسمًا عندما اجتمع د. عصام شرف، رئيس وزراء مصر بعد ثورة يناير، بقيادات صحفية لتحديد مصير القيادات الصحفية وتجديدها لتلائم الظروف السياسية الجديدة. وبعد المدح الطويل الذي أطرانى به كل من الأستاذ السيد ياسين والأستاذ صلاح منتصر، فإن د. جلال أمين قال قولًا حاسمًا إنه لن يكون هناك تجديد ما لم يخرج د. عبدالمنعم سعيد من «الأهرام»!.

كان الرجل صادقًا مع نفسه في لحظة قيل وقتها إنها «ديمقراطية»؛ ولكن ما يهم فيها أنها كانت لحظة استثنائية لاختيارات الشعوب والأفراد. ولكن الحديث هنا عن «ضرورة الديمقراطية» يجعل القضية كلها مطروحة كما جاء في مقال كاتبنا؛ وهو سؤال مطروح عالميًّا بحكم حالة الاختيار القاصمة التي يطرحها الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن بين الديمقراطية والسلطوية. هو اختيار يقف وراء الكثير من الأزمات والتوترات الدولية عندما تجد الأغلبية من سكان الأرض أنها تعيش تحت حكومات غير شرعية، من بينها دول عظمى مثل الصين وروسيا. «الضرورة» في الاختيار هنا حتمية كما لو أنها تقع بين الحلال والحرام، وبالتأكيد الجنة والنار؛ وأكثر من ذلك فإنها بعيدًا عن الحكمة لا تجعل هناك أهمية للتوافق والاتفاق على أهمية العمل المشترك من أجل حماية الكوكب من الاحتباس الحرارى أو تنظيم الاقتصاد والنظام المالى في العالم.

المعضلة الكبرى في هذا الطرح أنه لا يعطى اهتمامًا كبيرًا إلى أن تطور البشرية من مجرد خلية عضوية إلى ما نراه الآن؛ ومن الكتابة على حوائط الكهوف إلى الذكاء الاصطناعى، قد جرى من خلال عملية تطورية وليس قفزة كبيرة من عصر إلى آخر تتحكم فيها آلاف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضًا. دراسة تجارب الدول «الديمقراطية» تشهد على هذه الحقيقة، فلم تكن بريطانيا ديمقراطية حتى عرفت لمحة منها مع «الماجنا كارتا»، ولم تكن هذه كافية حتى القرن التاسع عشر عندما أُعطى الكاثوليك حق التصويت، أما المرأة فقد كان عليها الصبر حتى القرن العشرين، ومَن شاهد فيلم «باربى» فسوف يعرف أن ذلك لم يتم بعد حتى في القرن الواحد والعشرين. الولايات المتحدة لا تقل في هذا تعقيدًا في عملية التطور.

جاء في مقال سابق، نشرته في صحيفة الشرق الأوسط الغراء، أنه خلال قرنين ونصف القرن تقريبًا فإن الديمقراطية الأمريكية لم تكن دائمًا على تلك الصورة المثالية القائمة على توازن السلطات والانتخابات الدورية، التي تؤدى إلى التأكيد على قاعدة الأغلبية والأقلية التي تكفل الحل السلمى للنزاعات، وهو الذي يمثل نوعًا من «الاختيار الطبيعى»، الذي يجعل القوة والصحة من سمات الدولة والأمة ونظامها السياسى. البداية كانت مع مولد الدولة، التي قامت على أكتاف ثورة على الاحتلال البريطانى، وكانت من نتائجها وثيقتان: إعلان الاستقلال الأمريكى؛ والدستور. نقطة البداية هذه على ما أنتجته من تراث ظل دائمًا مهمًّا من ناحية حرية الإنسان وقدرته على الاختيار، فإنها في ذات الوقت كانت متلائمة جدًّا مع الواقع الأمريكى المعاصر وقتها ومدى نضج التجربة الأمريكية ذاتها. الدولة الأمريكية قامت على أربعين شخصًا من البيض ومُلّاك العبيد، الذين عرفوا الأدب السياسى الأوروبى، من جون لوك إلى مونتسكيو إلى فلاسفة العقد الاجتماعى، لكى ينتجوا دولة مزدوجة الشخصية.

من ناحية كان لدى الدولة ما تأخذه من أرقى مراحل الفكر الإنسانى، والتى تقرر أن كل البشر قد وُلدوا متساوين في حقوق الحياة والحرية والبحث عن السعادة. ومن ناحية أخرى، ورغم ما قدمه الدستور من إطار محكم للحد من سلطة الحاكم والفصل بين السلطات، فإنها في ذات الوقت أقرّت العبودية، ومعها استعباد المواطنين الأصليين، مع شن حرب إبادة ضدهم. ولفترة طويلة، فإن حقوق المرأة لم تكن واقعة ضمن هذا الإطار الرائع للحريات العامة؛ وعندما وقعت الدولة في أول اختبار سياسى حاد مثل حدوث الثورة الفرنسية لكى تطالب بنفس مبادئ الثورة الأمريكية، فإن النخبة السياسية انحازت إلى جانب «السلطوية» عندما أنتجت قانون «الفتنة والغرباء»، بينما كان «جون آدامز»، أحد رموز الثورة الأمريكية، الرئيس الثانى للولايات المتحدة، في السلطة، وهو الذي كان مطالبًا بإلغاء العبودية عند وضع الدستور.

كان الانقسام واضحًا داخل النخبة السياسية الأمريكية ليس فقط بين إعلان الاستقلال والدستور، أو بين ما مثله «توماس جيفرسون» و«إلكساندر هاملتون»، أو بين بناء الأمة وبناء الدولة، وإنما أيضًا ما بين «الاتحاد» و«التنوع». وظهر ذلك بقوة منذ قيام الدولة، واستمر على هذا الأساس، حتى نشبت الحرب الأهلية، التي كانت في ظاهرها لتحرير العبيد، ولكن جوهرها كان الحفاظ على الاتحاد في مواجهة الحقوق المطالب بها من جانب المكونات غير الأنجلو سكسونية من السكان الأصليين ومَن أتوا لها من مكونات إفريقية وأصول أخرى، ومن كانوا دينيًّا معتنقين للمذهب الكاثوليكى أو غيره من المذاهب والأديان. ورغم أنه جرَت في أعقاب الحرب الأهلية تعديلات دستورية عدة (التعديلات ١٣ و١٤ و١٥) لكى توسع من نطاق الانتخابات، فإن ما جرى في العملية السياسية في عقود بعدها حجب عملية التصويت عن الأمريكيين من أصول إفريقية وغيرهم حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين. وبينما كانت المرأة قد حصلت عليها في عام ١٩١٩، فإن السكان الأصليين، وبعد حروب الإبادة، فإن ما تبقى منهم حصل على حق التصويت والبقاء في محميات طبيعية خاصة. وفى التجارب العالمية ما هو أكثر!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى ضرورة الديمقراطية فى ضرورة الديمقراطية



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:33 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - محمود حميدة يتسلم جائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان الجونة

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 03:26 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

عقار من سم العنكبوت لعلاج تلف النوبة القلبية

GMT 12:51 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

كيكة الشوكولاتة

GMT 21:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على الفرق الـ "الأربعة" المتأهلة إلى كأس العالم للأندية

GMT 11:36 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يكشف الاستاد الأقرب لاستضافة نهائي كأس مصر

GMT 10:23 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسوان يسافر إلى الإسماعيلية استعدادًا لمواجهة الدراويش

GMT 13:14 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة دبي تتراجع بنسبة 0.93% بجلسة الأحد

GMT 17:39 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا تسجل 14 وفاة و 3157 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 19:04 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم السبت ٣ تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 01:04 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

170 جنيها ثمن لقاح تطعيم الإنفلونزا الموسمية

GMT 10:45 2020 السبت ,08 آب / أغسطس

تعرف على العمر الحقيقي ليسرا اللوزي

GMT 06:06 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

اكتشاف سلالة جديدة من إنفلونزا الخنازيرفي الصين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon