توقيت القاهرة المحلي 11:39:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النظر في تاريخ الكون وتاريخنا

  مصر اليوم -

النظر في تاريخ الكون وتاريخنا

بقلم - عبد المنعم سعيد

من الآن فصاعداً سوف نسمع كثيراً عن تليسكوب «جيمس ويب» الذي انطلق في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لاستكشاف الفضاء السحيق. التليسكوب الجديد سمي على اسم مدير وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» خلال الستينات من القرن الماضي، وأشرف على برنامج «أبوللو» الذي أخذ الإنسان إلى القمر.
لم تكن الرحلة الإنسانية في الفضاء سهلة ولا خالية من الصعوبات، وإنما اعترتها بعض الكوارث، والأخطر منها أن الصواريخ التي تطورت كثيراً أثناء السعي إلى خارج كوكب الأرض باتت جزءاً مهماً من الحرب الباردة وسباق التسلح فيها. كانت البداية مع إطلاق القمر الصناعي السوفياتي «سبوتنيك» في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 1957؛ ووقتها كانت هناك دولة باسم «الاتحاد السوفياتي» تعد قطباً عظيماً في السياسة الدولية، وكان إطلاق قمرها تحقيقاً لأولى الخطوات العملية للإنسان في الفضاء. وفي سباق محموم بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة تحقق الكثير في مجال «غزو» البشر للفضاء، فتم إرسال عدد كبير من الأقمار الصناعية والمركبات المدارية تحمل رواداً للدوران حول الأرض ومركبات أتوماتيكية للهبوط على القمر.
وفي سنة 1969، توج هذا النشاط العلمي الهائل بهبوط أول إنسان على القمر عندما خطا نيل آرمسترونغ، خطوته الأولى التي باتت في الواقع قفزة هائلة للبشرية، حسب تعبيره.
كان برنامج «أبوللو» الذي حقق الهدف منه، وأعطى الفرصة لرحلات عديدة فيما بعد للحصول على عينات من «الكويكب» اللاحق بكوكب الأرض نهاية حقبة من العمل العلمي والتكنولوجي في الفضاء تميزت بالرغبة الاستعراضية، وتحقيق السبق وشد انتباه الرأي العام، ليس فقط في الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي، وإنما في العالم كله.
المرحلة التالية بعد أن تخلصت من دهشة المرحلة الأولى باتت أكثر عملية بتوسيع الاستفادة العملية من تطبيقات تكنولوجيا الفضاء، ومنها ولدت سلاسل أقمار الاتصالات العالمية، وتصنيع وتخليق مواد جديدة، والكشف عن الموارد الطبيعية على الأرض. ولما كانت التكاليف عالية فقد بات مهماً تخفيض الإنفاق فولدت فكرة «مكوك الفضاء» الذي يمكن استخدامه أكثر من مرة، ومن بعده إنشاء محطة كونية مأهولة تكون بمثابة المحطة التي يستقر فيها البحث العلمي، ومن الجائز أن تكون نقطة انطلاق لاستكشاف الكواكب والكون. وكان ذلك ما تحقق خلال العقود التالية حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عندما أنشأت الولايات المتحدة «مركز عمليات الفضاء» الذي يتولى البحوث في كيفية بناء ونقل ورفع النظم الفضائية الضخمة إلى المدارات المختلفة، بالإضافة إلى تطوير قدرة الإنسان على العمل في الفضاء، مع تقليل الاعتماد على الأرض في ناحيتي التحكم والإمداد. أصبح الفضول نحو اكتشاف الكون السحيق متصاعداً، خصوصاً مع ازدياد المعرفة الإنسانية بالمجموعة الشمسية، وكان الهدف من هذا الاستكشاف هو البحث عن حياة أخرى في الكون، ومعرفة أصل المجموعة وتطورها.

قاد ذلك إلى إدراك مهم هو أن الفضاء ممتد بأكثر كثيراً ليس فقط من كوكب الأرض أو مدارات نجم الشمس كلها، أو حتى المجرة التي نقع في قلبها، وإنما هناك فضاء لا تُعرف له حدود أو لمجراته ومجموعاته ونجومه عدد. وفي القلب في هذه العملية الاستكشافية كان تصميم وإنشاء تلسكوبات هائلة تنقل للبشرية صوراً للفضاء الممتد واللانهائي.
كان تليسكوب «هابل» هو النافذة الأولى قبل عقود في ثمانينات القرن الماضي، ليس فقط على الامتداد الجغرافي للكون، وإنما أكثر من ذلك الامتداد التاريخي والزمني، فلم يكن ما يأتي من السماء عاكساً لأمور في وقتها، وإنما هو بالضوء الذي يصل منها أتت منذ ملايين أو مليارات السنوات الضوئية التي تنقل لنا ما حدث، بينما ربما مكانها وأصلها وفصلها ذهبت إلى فناء.
تليسكوب «جيمس ويب» قدراته تزيد ست مرات على «هابل»، وصوره أكثر دقة ووضوحاً، وخلال الأيام القليلة الماضية أمكن المقارنة بين صور سابقة وأخرى حالية تحمل ما هو أكثر من الاستنتاجات والاستدلالات التي حملتها الأشعة تحت الحمراء أو البنفسجية التي ذهبت إلى أبعد مما ذهب سابقه في رواية قصة الكون. وعلى أي الأحوال فإن قصة هذا التليسكوب وذاك، تعكسان بشدة المسيرة العلمية والتكنولوجية التي عاشها الإنسان بعد أكثر من نصف قرن من الوصول إلى القمر. وكل ذلك بات ممكناً، لأن الأمور المعقدة أصبحت أكثر بساطة، وكلما باتت أكثر بساطة أصبحت أكثر وضوحاً، والأشياء الكبيرة أصبحت صغيرة بالطاقة نفسها أو أكبر، بل إن الكبير والصغير أصبحا مسألة يتحكم فيها الإنسان حسب الظروف. البساطة والتبسيط كانا دائماً من أسرار التقدم الكبرى، ويحكى العلماء دائماً كيف أنهم عندما يكتشفون شيئاً ينبهرون لأنهم لا يعرفون لماذا لم تكن هذه الفكرة الجديدة أول ما خطر ببالهم، نظراً لبساطتها المذهلة.
والحقيقة هي أن البساطة والتعقيد بات كلاهما له علاقة بالتقدم والتخلف، وهو تماماً الفارق الآن بين القدرات الإنسانية الهائلة لاقتحام أسرار الفضاء، بينما لا يزال الإنسان بدائياً في التعامل مع قضايا الكوكب في أقاليمه وعالمه.
التعامل مع الحرب الأوكرانية، والصراع الروسي الأميركي، والتوتر الصيني الغربي، والتقاعس في التعامل مع قضايا «الجائحة» و«الاحتباس الحراري» والهجرة والحروب الأهلية والتطرف العقائدي بأشكاله المختلفة يشهد على هذه الازدواجية الإنسانية بين ما يحدث على الأرض، حيث القعود عن حل الصراعات والحروب والفقر والهجرة والتعصب، وما يجري في الفضاء من بحث عن تاريخ عميق لكواكب ونجوم ومجرات.

هذه المفارقة عرفتها عندما زرت طهران قبل أكثر من عشرين عاماً، وأثناء حفل استقبال كان فيه جمع من الجنسيات قال صديق إيراني، بفخر شديد، إن العقل الإيراني مثل السجاد الإيراني (العجمي بلغة العرب) فيه من الدوائر والمربعات والخطوط وما لا أول له، ولا آخر، ما يجعله معقداً وعصياً على الفهم للآخرين. وساعتها لم تكن مشكلتي هي عما إذا كان الأجانب يفهمون العقلية الإيرانية أم لا، على الرغم من أنه لا توجد هناك حكمة في ألا يفهمك الآخرون، ولكنني لم أكن متأكداً أن الإيرانيين يفهمون عقلياتهم. وكذلك الحال مع العرب، وعندما عدت من الولايات المتحدة عام 1982، بعد دراستي العليا وجدت عاصفة في مصر حول «التمويل الأجنبي» للبحوث عن مصر، وكان تحت عنوان «وصف مصر بالأميركاني»، وكان ذلك مقاساً على كتاب «وصف مصر» الذي نتج عن الغزو الفرنسي لمصر، والذي أصبح الوثيقة الأولى في معرفة البلاد المصرية مع مطلع القرن التاسع عشر لم يكن هناك ما يماثلها. أيامها كان المنطق أن التمويل الأميركي لمراكز البحوث يعنى أن يعرف الأميركيون عنا كل شيء، وكان سؤالي هو عما إذا كنا نحن نريد أن نعرف عن أنفسنا كل شيء.
تليسكوب «جيمس ويب» سوف يزيد معرفتنا بالكون وتاريخه، وربما سوف يجد الإنسان ضالته عما إذا كانت توجد حياة من نوع أو آخر بعيدة عنا بعد السماوات كلها، بينما ما زلنا نعيش في عالم ضيق ما زال أمامه الكثير من الحكمة حتى يعيش.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظر في تاريخ الكون وتاريخنا النظر في تاريخ الكون وتاريخنا



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:39 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم
  مصر اليوم - أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon