توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللحظة الساداتية مجدداً؟!

  مصر اليوم -

اللحظة الساداتية مجدداً

بقلم - عبد المنعم سعيد

«اللحظة الساداتية» هي لحظة انفراج لأزمة مستعصية نتيجة المبادرة السياسية التي تؤدي إلى تغيير البيئة التفاوضية وجعلها أكثر ألفة في البحث عن حل. هي في عُرف صاحبها الرئيس أنور السادات كانت أولاً الاعتقاد الجازم بأن الأزمة –وهي احتلال إسرائيل الأراضي المصرية والعربية- قابلة للحل الدبلوماسي، وأن هذا الحل يقع في يد الولايات المتحدة، وهي الدولة الوحيدة القادرة على التأثير في إسرائيل. وثانياً أن الولايات المتحدة لا تتحرك بحكم كونها دولة عظمى وكبيرة إلا تحت ضغط أزمة مكلفة ومستحكمة؛ ومن ثم كانت حرب أكتوبر (تشرين الأول) التي أثبتت أن للاحتلال تكلفة مادية وعسكرية كبيرة لإسرائيل وللولايات المتحدة التي كان عليها تعويضها عن خسائرها في الحرب، ومواجهة الاتحاد السوفياتي نووياً عند ختامها مما أثَّر على أمن كوكب الأرض. وثالثاً أن الحرب أشهرت «سلاح النفط» الذي كان للمملكة العربية السعودية دور رائد فيه لكي يخلق بدوره أزمة اقتصادية عالمية جعلت طوابير الانتظار طويلة في محطات البترول الغربية؛ أما في بقية العالم فقد أصبحت أزمة طاقة مؤثرة على الاقتصاد العالمي. وقتها انتهى الجمود في «أزمة الشرق الأوسط» وحالة «اللاحرب واللاسلام» التي استحكمت منذ حرب يونيو (حزيران) 1967 ولم يعد لها لا أفق عسكري أو تفاوضي أو سياسي. ورابعاً رحلة الرئيس السادات إلى القدس لم تكن المفاجأة الاستراتيجية التي جرت فيها أقل تأثيراً من مفاجأة الحرب لأنها غيّرت من البيئة التفاوضية وأعطتها طريقاً للحل قام على مبادلة الأرض مقابل السلام للأراضي العربية المحتلة؛ وحل الدولتين بالنسبة إلى القضية الفلسطينية.

     

 

           

 

الآن فإن المملكة العربية السعودية تقود لحظة أخرى من أجل السلام ووقف الحرب الروسية - الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، ولا يوجد أُفق حتى الآن لا لنصر طرف وهزيمة طرف آخر، ولا للتسوية التي تكفل القبول من كلا الطرفين، ولا حتى يكون وقف لإطلاق النار يقلل خسائر الطرفين. الحرب باتت مرشحة لأن تكون ليست بالضرورة حرباً «أبدية»، وإنما تطول بما فيه الكفاية لإرهاق الطرفين إرهاقاً شديداً، وإرهاق العالم معهما. حالة الحرب الجارية الآن تشهد أولاً تصعيد الحرب؛ فمن ناحية فإن «الهجوم المضاد» الأوكراني يلقى صعوبات كثيرة في التقدم الذي بات بطيئاً ويزداد ثمنه في الضحايا والعتاد سواء بالنسبة لأوكرانيا وروسيا. النتيجة أن روسيا صعّدت من استخدامها الصواريخ وقصف المناطق المدنية والبنية الأساسية؛ وفي الجانب المقابل فإن أوكرانيا زادت من استخدامها للمسيّرات الجوية داخل روسيا ذاتها، ومسيّراتها البحرية في البحر الأسود لتدمير وحدات بحرية روسية. التصعيد في هذا الاتجاه يعقّد كثيراً محاولات السلام، ويولّد المزيد من الكراهية، وباختصار امتداد الحرب يزيد. وثانياً إن من نتائج هذا التصعيد العسكري كان تدمير صوامع القمح الأوكرانية، ومعها أجزاء من ميناء أوديسا على البحر الأسود؛ وباتت الضحية الأساسية لذلك اتفاقية الغذاء، وارتفاع أسعاره حتى قبل أن يصل إلى المستهلك. وثالثاً أن تأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا وبقية العالم والشركات التي تتعامل معها خلقت اضطرابات كبيرة في الاقتصاد العالمي.

المنهج السعودي للتعامل مع اللحظة الحالية يدرك الآثار السلبية الكبيرة للحرب على الأمن الأوروبي والعالمي، وإن مواجهته عن طريق مصالحات محدودة لتبادل الأسرى أو اتفاقيات الغذاء قد استنفد أغراضه، وبات إحدى أدوات الضغط التي يستخدمها كل طرف للتأثير على الطرف الآخر، وعقاب أطراف المجتمع الدولي التي تتخذ موقفاً أقرب لهذا الطرف أو ذاك. هنا فإن تكوين تكتل دولي لإنهاء الحرب من الدول ذات التأثير المباشر أو غير المباشر في مسار القتال؛ أو الدول المجروحة والمهددة بسبب الحرب، يمكن أن تكون له قيمة «أدبية» و«معنوية». الفكرة الأولى التي جاءت إلى الإعلام الدولي كانت أن يكون الأمر أشبه بمظاهرة سلام تشبه إلى حد ما تلك التي جرت خلال الستينات من القرن الماضي لمعارضة الحرب الفيتنامية ولكن من خلال الدول هذه المرة. المشاورات الكثيرة والمعقَّدة التي أجرتها الدبلوماسية السعودية أخذت بالمبادرة إلى طريق أكثر تعقيداً وفاعلية يبدأ بمؤتمر للعاملين في حقل «الأمن القومي» –مستشار الأمن القومي ومن هم في مقامه– لكي يتبادلوا الرأي حول الموضوع. لم تعد المسألة مظاهرة سلام وإنما صياغة المعادلة الرئيسية للحل التي تقوم على رفض احتلال الأراضي الذي قامت به روسيا إزاء أوكرانيا، ورفض تهديد الأمن الروسي من خلال توسعات حلف «الناتو» بما فيها ضم أوكرانيا للحلف بعد أن أُضيفت السويد وفنلندا بالفعل. إدراك هذه المعادلة جاء في خطوطه الأولية من خلال المبادرة الصينية المكونة من 12 نقطة، التي طرحتها بكين في 24 فبراير (شباط) الماضي والقائمة على «احترام سيادة جميع الدول» و«العزوف عن عقلية الحرب الباردة» و«وقف القتال» و«استئناف المفاوضات».

نتيجة الجولة الأولى كانت كبيرة ومشجعة خصوصاً أن الصين والولايات المتحدة شاركتا فيها بتمثيل رفيع المستوى. حضور أوكرانيا أعطاها جرعة غير قليلة من المشاعر العالمية إزاء الحرب، وامتدحت الصين الجهد السعودي في خلق الجسور. غياب روسيا ربما في هذه المرحلة كان مفيداً خصوصاً أنها من خلال التشاور والعلاقة مع الصين كانت تعرف بالمداولات كافة؛ وكذلك لمنع تشاحنات ومباريات إعلامية بين موسكو وواشنطن. ورغم أن أربعين دولة شاركت في الاجتماع فإن هناك القليل الذي تسرب عن تفاصيل اللقاءات المباشرة والجانبية، وهو من الأمور التي نعلمها من اللحظة الساداتية، حيث يمنع التسريب في هذه المرحلة المبكرة من المفاوضات تمهيداً لجولات أخرى قد تكون أولاها حضور قادة الدول، وقد تكون عند مستويات أخرى. دوران العجلة في اللحظة السعودية لن يقل تعقيداً عمّا كان عليه قبل نصف قرن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحظة الساداتية مجدداً اللحظة الساداتية مجدداً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon