توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على ماذا يكون النضال؟!

  مصر اليوم -

على ماذا يكون النضال

بقلم : عبد المنعم سعيد

لكل جيل من أجيال مصر الحديثة كانت هناك مهمة كبرى عليه تحقيقها من أجل وطن عظيم. د. محمد أبوالغار يستعير فى نهاية مقالاته شعارًا اشتقه من غناء سيد درويش، الذى يدعو فيه المصريين إلى القيام لأن وطنهم يناديهم. الآن تتواصل اجتماعات نخبة مصرية للتحاور حول مهام المرحلة المقبلة، التى يجرى فيها تجاوز تحديات وعقبات لابد منها لاستكمال مسيرة جرَت منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وإذا كان ممكنًا التلخيص، فإن المهمة الراهنة لا تقل فى تحديها عن تحقيق انطلاقة مصرية تتجاوز معضلات المرحلة الخارجية والداخلية إلى معدلات نمو عالية ليس فقط فى المجال الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك أن يكون الإنسان المصرى فى مستوى العصر الذى نعيش فيه.

مثل ذلك كثيرًا ما يُقال عنه «بناء الإنسان المصرى»، وهو قول لم يَجْرِ له كثير من التحرير فى المعنى والمبنى، وفى الأصول والفروع، والكيفية التى ينتقل بها الإنسان من حال يتعايش مع الفقر والتخلف إلى آخر يعيش فيه الغنى والتقدم. ولا أجد مثالًا يقرب منه قدر تلك الحالة من الفوران الكبير فى دول شرق وجنوب شرق آسيا، التى دارت فى المدارين الصينى واليابانى فى عصور قديمة؛ ثم دخلت عليها نوبات الاستعمار الفرنسى والبريطانى والهولندى، والحروب العالمية، وكل حالات الفقر والوباء والمجاعة. الأمثلة اليابانية والصينية فى التقدم كثيرة، ولكن آخر ما لفت الأنظار قادمًا من المنطقة كان استعداد كوريا الجنوبية لاستعمار القمر. الولايات المتحدة تحت إدارتى أوباما وبايدن أعلنت كثيرًا عن التوجه الاستراتيجى للدولة الأمريكية، بينما يحافظ على التحالف مع أوروبا، فإنه يخرج من الشرق الأوسط، ويتجه نحو آسيا ويكون التفاعل معها نقطة ارتكاز. أيًّا ما كان الأمر مما حدث لهذا التوجه من انتكاسات، إلا أن بعضه يظهر بقوة فى معدلات التفاعل فى التجارة، والمال، والبشر؛ ومؤخرًا الإعلان الرسمى عن بداية عصر «الإخوة الأعداء»، الذى تتعاون فيه الولايات المتحدة والصين فى التجارة والصناعة، ثم تتنافسان حول «تايوان» وكل أمر آخر.

وحتى يمكن استجلاء الأمر أكثر ويكون واضحًا وضوح شمس صباح صيف، فإن خبرة جيلنا ربما تعطينا بعض الحكمة، فقد حكمت طفولتنا ذكريات وبطولات التخلص من الاستعمار، وما إن بدأنا معرفة العالم حتى كان النضال من أجل تحرير فلسطين والجزائر هو ما يدفعنا إلى التظاهر تأييدًا ومساندة للأشقاء. ومن وقت لآخر كانت قضيتنا هى نضال الأفارقة، وعندما قتل لومومبا فى الكونغو كان الحزن شديدًا، ومن بعدها تعودنا أن دولنا فى إفريقيا والعالم العربى تتعرض لمؤامرات كثيرة من المستعمرين. وعندما شببنا عن الطوق، ودخلنا الجامعة أصبحت «الإمبريالية» واحدة من مفرداتنا، ولما وقعت كارثة يونيو ١٩٦٧ اهتز كثير من الإيمان بأهمية الثورة لولا أن جاءنا من بعيد، ومن فيتنام، بصيص ضوء أن البلدان المناضلة يمكنها تحقيق النصر على أعداء أقوياء. ولم يوجد بيننا ساعتها مَن شعر بالخجل من قصيدة «فدوى طوقان»، التى تمنت فيها أن تأتى ريح شرقية نحو الصحراء العربية بأبطال من فيتنام فتعطيهم «مليون ولود قحطانية» لكى يأتى منهم رجال يرفعون عنّا عار الأمة ويحفظون شرفها. وكان ذلك هو ما جرى فى أكتوبر ١٩٧٣ على أى حال حتى بدون عملية تلقيح فيتنامية، ومع ذلك ظلت التجربة الفيتنامية حاضرة ومُلِحّة فى الأذهان طوال الأعوام الماضية. النضال الفيتنامى كان ملهمًا، ولكن ما هو مناسب لأحوال جيلنا المتحاور هو دروس انتقال فيتنام من صفوف الدول النامية إلى قلب الدول البازغة؛ وعندما وصلت صادراتها إلى أكثر من ٢٦٤ مليار دولار فإن «التجربة النضالية» كانت فى البناء والتعمير، وبناء الإنسان الفيتنامى لكى يتناسب مع دولة متقدمة قادمة مثل تلك التى قامت فى كوريا الجنوبية من قبل.

هذه الحالة الآسيوية تشكل مرجعية ناجحة للخيارات المصرية خلال المرحلة المقبلة، وتحدد بوضوح ما يجب النضال من أجله. «الهدية» التى تأتى من الجيل السابق للجيل الحالى هى أن مصر قد باتت مُحرَّرة من كل احتلال وحضور أجنبى لأربعة عقود كاملة، وهذه لم تتحقق منذ ما قبل ثلاثة آلاف عام. ورغم كل الصعوبات والتحديات، فإن مصر صاغت من جديد مشروعًا للدولة الوطنية يقوم على البناء واسع النطاق، والولاء الكامل للوطن والمواطنين بغض النظر عن الدين أو النوع أو اللون أو العقيدة. ووضع ذلك موضع التطبيق فى إطار رؤية شاملة ذات طبيعة إصلاحية تقوم على الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى والتكامل الاجتماعى؛ وبات على الأجيال الجديدة من المصريين النضال من أجل تحقيق الأهداف الظاهرة والكامنة فى هذه الرؤية. وما جرى فى هذا البلد حتى الآن ربما يجعل عيوننا أكثر صفاء فى التعامل مع المستقبل حيث نحسم ترددنا، ونهزم مخاوفنا، ونسير على الطريق الذى سارته دول العالم، التى كانت مثلنا ثم سبقتنا لأنها ببساطة حسمت أمرها ولم تعد تقبل المراوغة وإمساك العصا من المنتصف. المرجعية المشار إليها عرفت بناء عناصر القوة المختلفة من خلال أسواق مفتوحة تعمل كما تعمل اقتصاديات السوق فى البلدان المتقدمة؛ وفيها يجرى تجديد الفكر وعمران الثقافة بقوة الدفع الجارى فى بناء دولة حديثة.

لقد بات «نموذج الدولة الوطنية المصرية» هو ما تتردد أصداؤه فى المنطقة كلها من العراق إلى المغرب، وربما لم يحدث أن جرى البحث فى تاريخ البلدان العربية عن الأصول الوطنية للدولة مثلما يحدث الآن؛ ولا كان السعى من أجل التنمية الشاملة والمتكافئة يجرى كما يجرى الآن. هذا النموذج استفاد كثيرًا من التجربة المصرية عبر العصور، ودرج على الانسجام والتماسك الاجتماعى، وظل رافضًا وبقوة للتقسيم والتجزئة على أساس من الطائفية والعرقية. بات هناك أمام الأجيال المصرية الجديدة ما يستحق التمسك به كمنارة لأجيال عربية أخرى قدمت بالفعل رفضها للمحاصصة والتفتيت والديمقراطية الزائفة، التى تشجع كل ما هو طائفى وعنصرى على أسس دينية ومذهبية. ولكن ذلك يضع الإطار العام كما هو الحال فى كل النماذج التاريخية؛ وفى تفاصيله لا تكمن فقط الشياطين التى تحاول الالتفاف حول ما تحقق فيه، والواجب اجتثاث أصولها؛ وإنما أكثر من ذلك الذود لتحقيق أهداف المشروع ومقاصده، التى هى الضمانة الأساسية لاستمرار المشروع واستدامته.

مثل ذلك يتحقق بكثير من تحمل أعباء الأزمات القادمة من الخارج، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة لكى تتجاوز الدولة أعباء أزمات الداخل، وبقاء السوق مفتوحة فى كل الأوقات، وتحقيق المساواة أمام الفرص المتاحة فى المجتمع من خلال عملية التنمية. الأجيال الجديدة سوف يكون عليها النضال والإبداع أمام قضايا جديدة مُلِحّة تتعلق بالتكنولوجيا والبيئة والغذاء والطاقة. كل هذا لعله يكون مطروحًا أمام الحوار السياسى الجارى الآن داخل الاجتماعات أو خارجها، فلا يجوز بعد كل الآمال المعقودة للحوار أن يخرج منه ما يناسب عصورًا سابقة فى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على ماذا يكون النضال على ماذا يكون النضال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon