توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البناء في زمن الحرب

  مصر اليوم -

البناء في زمن الحرب

بقلم - عبد المنعم سعيد

المقال مستمر بعد أسبوع من مقال سابق؛ وهو «مصر وجغرافيتها السياسية ٢٠٢٤»، الذى أوضحنا فيه الوضع «الجيوسياسى» المضطرب الذى تتعرض له مصر الآن فى جميع الاتجاهات الجغرافية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، والذى تمور فيه استخدامات مختلفة الشكل للسلاح. حروب أهلية فى سوريا واليمن والسودان، واضطراب فى ليبيا، وحرب بالوكالة يقوم بها الحوثيون لتحقيق اضطراب فى الملاحة والتجارة الدولية فى البحر الأحمر، مع العلم تماما أن ذلك سوف يصيب الدول العربية الواقعة على البحر بالضرر، وبالنسبة لمصر فإنه يكون بالغا لما تسببه العمليات العسكرية من ضرر لقناة السويس. المشهد لا يكتمل ما لم نسجل أن الدولة المصرية رغم مرورها بأزمة اقتصادية فإنها لن تتوقف للحظة واسعة عن البناء للطرق والكبارى والمدن الجديدة والقطارات السريعة والموانئ والمطارات والجامعات، ونقل مكاتبها من القاهرة إلى العاصمة الجديدة، وتستعد فى نفس الوقت لافتتاح عشرات المشروعات خلال المرحلة الراهنة.

المنهج الذى أخذته مصر ظل كما كان فى العقد الماضى فقد كانت تبنى كما لو أنه لا يوجد إرهاب؛ وفى العقد الحالى ظل البناء مستمرا كما لو أنه لا توجد «جائحة» وباء؛ ولا توقف البناء أبدا بعد أن نشبت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها؛ ولم تفعل ذلك الآن وحرب غزة الخامسة تستعر مهددة بالتهجير القسرى للفلسطينيين باتجاه الحدود المصرية؛ ويقوم الحوثيون بتهديد المصالح المصرية فى البحر والقناة. وقت ذلك كله فإن مصر لم تتوقف قط عن القيام بدورها الإقليمى فى السعى نحو استقرار إقليمى يتيح للإقليم فرصة للنمو والنماء والاستقرار. وفى وقت كتابة هذا المقال كانت القاهرة تستضيف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بعقد هدنة طويلة نسبيا عن سابقتها تتيح تبادل الرهائن والأسرى فى حرب غزة، كما تتيح تقديم مساعدات وإغاثة لأهل قطاع غزة، وتمهد الطريق لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى استنادا إلى حل الدولتين. وفى نفس الوقت لم تقصر مصر فى البحث عن حل للأزمة السودانية؛ وكانت حليمة وصابرة إزاء ما يقوم به الحوثيون طالما لا يزال هناك أمل فى حل الأزمة عند منبع الأوضاع الكارثية فى غزة.

ما حدث فى الداخل والخارج شهادة للإدارة المصرية على الثبات والقدرة؛ ولكن الثمن لا يزال كبيرا مرتين: مرة لأن الأوضاع الصعبة خارجيا وداخليا مستمرة ولا يعلم أحد متى سوف تتوقف المدافع، ولا متى تتوقف تأثيراتها السلبية على الاقتصاد المصرى؛ والأمنية على الأوضاع «الجيوسياسية» المصرية. ومرة لأنه لا يمكن أن يتوقف البناء لأن الاحتياجات المصرية لا تتوقف، ولا الزيادة السكانية تقع فى هدنة زمنية، ولا طموحات مصر لكى تكون «قد الدنيا» خفتت. وببساطة فإن مصر لا تملك توقف البناء فى وقت انتشار الحروب والعنف فى الإقليم لأنها بالفعل تعيش حالة سلام. ولعل هذه هى النقطة الأولى التى على مصر التأكيد عليها فى هذه المرحلة، خاصة أن هناك فى الإقليم دولا أخرى تعيش هذه الحالة من السلام والبناء والتنمية. مثل ذلك يقع واجبا علينا بحيث لا يعطى انطباعا للعالم الخارجى بأن مصر جزء من مسرح العمليات العسكرية الجارية فى المنطقة. وعلى العكس فإن صورة مصر واحة للسلام والأمن فى منطقة مضطربة هى التى يجب أن تسود فى داخلنا وفى العالم.

مثل ذلك ضرورى لاستمرار عملية البناء الداخلى والتعامل مع الأزمة الاقتصادية فى آن واحد. تركيا التى زار رئيسها طيب رجب أردوغان مصر مؤخرا عاشت فى أوضاع مشابهة، وليست متطابقة، مع الأوضاع الراهنة فى الشرق الأوسط حيث الأزمة المسلحة السورية القريبة؛ ومع الأزمة الأوكرانية الروسية القريبة للغاية؛ وفى وقت أزمة اقتصادية خطيرة وزادها خطورة الزلزال الذى أصاب الجنوب التركى الذى يوجد فيه قوات متحاربة لتركيا. ومع ذلك نجحت تركيا فى تقديم صورة دولة سلام مستقرة جعلت ٢٠ مليونا من السائحين يزورون مدينة واحدة هى إسطنبول خلال العام ٢٠٢٣ المنصرم؛ بينما كان الرقم فى مصر كلها ١٥ مليونا هو الأعلى فى التاريخ المصرى وبجهد فائق من وزير مُجِد. مثل هذا الرقم فضلا عن ضآلته النسبية للقدرات المصرية لا يسمح بصورة تبدو مصر فيها كما لو كانت على شفا حرب حتى تقوم بتعليق أو تجميد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. السياحة فى مصر سوف يجرى تقريرها ووصولها إلى المستويات المرجوة بصورة مختلفة لمصر، ليس فقط فى مجال الحرب والسلام، وإنما أيضا بمدى الإبداع والقدرة على الاستفادة من قدراتنا السياحية التى لا يماثلها أحد، ولا تتكرر فيها الفضيحة التى حدثت للسائحة «ناتالى» الفرنسية وصارت مثلا لسوء المعاملة، وحسنا فعل الوزير أحمد عيسى بالتعامل الإيجابى مع هذه الحادثة البشعة.

ولكن السياحة واستعادتها من براثن الحرب ليست فقط هى المجال الاقتصادى الوحيد الذى علينا الاهتمام به فى وقت الحرب رغم حساسيته الشديدة؛ وسوف أترك جانبا- حتى نهاية المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار فى غزة- التعامل مع الاعتداء الحوثى على المصالح المصرية فى البحر والقناة. فما لا يقل أهمية هو البناء على ما تحقق فى مصر خلال السنوات الماضية؛ أولا الإسراع بافتتاح المشروعات التى أنجزت ودخلت دور التشغيل والاستخدام؛ وثانيا طرح هذه المشروعات لمن يريد الاستثمار فيها عاما كان أو خاصا؛ وثالثا إعداد الجهاز الإدارى للدولة للتعامل مع واقع جديد لاقتصاديات السوق يختلف عما كان عليه الحال من قبل من اشتداد قبضة الدولة على الاقتصاد. دوران عجلة الاقتصاد هو السبيل لتوليد العملات الصعبة، وخلق صورة تنموية لمصر تناسب واقعها بدلا من الصورة الذائعة عنها فى الإعلام الدولى كدولة معاناة لأزمة اقتصادية طاحنة. رابعا هناك حاجة ماسة إلى رفع معدلات المصداقية لدى الحكومة المصرية التى كان لها فضل كبير فى السابق فى إضافة عامل السرعة لكافة الإصلاحات التى يجرى العمل فيها؛ فإذا بها الآن تخطو ببطء شديد فى مجالات أعلنتها بنفسها مثل وثيقة «ملكية الدولة» التى لم يتضح بعد مدى تأثيرها على الاقتصاد المصرى. خلال مؤتمر الحكومات الذى انعقد فى دبى مؤخرا أعادت الحكومة عرض الوثيقة مع إعادة العزم على تطبيقها وتنفيذ ما جاء بها؛ ولكن الواقع هو أن أكثر من عام مضى على الوثيقة لا يزال الإنجاز أقل كثيرا مما هو مطلوب. وخامسا هناك حالة ماسة لنقل الواقع الفعلى لمصر من كونها ليست فى حالة حرب؛ إلى أنها لا تزال سائرة فى مسارها التنموى، إلى المحافظات والمحليات المصرية، لكى يتسع مجال المشاركة الوطنية فى مرحلة حرجة من التاريخ المصرى، يقع فيها الواقع المصرى ما بين مطرقة الأزمات الإقليمية وسندان واقع اقتصادى صعب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البناء في زمن الحرب البناء في زمن الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon