توقيت القاهرة المحلي 11:13:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إشكالية المعايير المزدوجة

  مصر اليوم -

إشكالية المعايير المزدوجة

بقلم: عبد المنعم سعيد

ربما لا توجد حجة عربية تسود ساعة الأزمات المتعددة التي يلم بها العالم العربي في أثناء تفاعلاته مع العالم قدر اتهام «المجتمع الدولي» بأنه يستند إلى معايير مزدوجة واحدة تخص الغرب القوي، وواحدة تخص بقية العالم الذي نحن جزء منه. الافتراض الأساسي في هذه الحجة هي أن هناك ميثاقاً أخلاقياً عالمياً يسانده قانون دولي قائم علي عهود ومواثيق ومعاهدات دولية ينبغي احترامها وأن يتم تطبيقها بالعدل ودون ازدواج وتمييز. وفي هذه الحالة يصير العالم مثل الدولة أو الحكومة التي تمثلها منظمات دولية من الأمم المتحدة ومجلس أمنها ومحكمة العدل الدولية، والدول مثل المواطنين أو الرعايا، وعلى الأولى أن تطبق المساواة بين الجميع وبالعدل والقسطاس.
الحجة التصقت طوال التاريخ الحديث المرتبط بتطورات «الصراع العربي – الإسرائيلي» في مراحله المختلفة، والذي استقر أخيراً على «القضية الفلسطينية» بوصفها قضية احتلال الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، وخلال أكثر من سبعة عقود فإن الحجة كانت مشهرة دائماً إزاء الموقف الغربي –أوروبا الغربية وشمال أميركا– الذي كثيراً ما يروّج للعالم الليبرالي والديمقراطي الذي ينبغي له أن يشيّع حتى يصل إلى نهاية الدنيا وساعتها نصل إلى «نهاية التاريخ» الذي لا نعلم ما سوف يأتي بعده. وللحق فإن الحجة كثيراً ما تسير في طريقين، إذا ما كان هناك احتلال لأراضٍ أخرى في العالم –أوكرانيا على سبيل المثال- فإن الحجة العربية الملتزمة برفض المعايير المزدوجة تكون لماذا الاهتمام بهذا الاحتلال الأخير، خصوصاً أنه لم يتم الاهتمام بالاحتلال الإسرائيلي؟ وعندما قام الرئيس صدام حسين باحتلال الكويت، قيل في ساحات عربية أن يكون الجلاء عن الكويت مقابل الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة حتى يستقيم ميزان المعايير، ويُرفع عنها خطيئة الازدواج.
الحقيقة هي أنه لا توجد معايير مزدوجة فقط في العالم وإنما معايير ثلاثية ورباعية، وهكذا إحصاء حسبما تستقر عليه مصالح الدول المتفاوتة القوة والأوضاع الجغرافية. ولا يوجد في العالم إطار أخلاقي أو قانوني واحد لأن العالم متعدد الحضارات والأديان، وباختصار المرجعيات المختلفة التي تحدد شرعية الفعل والتقدير، وباختصار «السياسة». وما تم وضعه من «قانون دولي» وقواعد إجرائية جرى التوافق فيه على الموضوعات المهمة من أقوياء العالم (الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن) الذين لكل منهم حق «الفيتو»؛ أما في الموضوعات الأقل أهمية، فإن القاعدة تكون موضع اتفاق، وفي العادة يكون لكل دولة من دوله عدة تفسيرات، واحد لها، وآخر لحلفائها، وثالث لبقية الدنيا. انظر إلى جدل المعايير الذي يسري على «الأزمة الأوكرانية» هذه الأيام، وكيف يتم تفصيل المعايير من كل طرف. روسيا ترى اجتياح أوكرانيا نوعاً من الدفاع عن النفس التي كانت مهددة مع احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلنطي؛ وتساءل الروس ومؤيدوهم: لماذا كانت الولايات المتحدة ترى تهديداً عندما نشرت روسيا، التي كانت الاتحاد السوفياتي، صواريخها في كوبا على بُعد 90 ميلاً من الأراضي الأميركية؛ ولا تعترف بحق روسيا في الشعور بالتهديد، عندما تكون الصواريخ الأميركية لصيقة بالحدود الروسية؟ الولايات المتحدة لديها قائمة طويلة بالمخالفات الروسية للقانون الدولي والمعايير الدولية المستقرة والتي تجعل اجتياح أوكرانيا يخول لروسيا الحق في اجتياح ليس فقط أوكرانيا، وإنما دول البلطيق الثلاث –لتوانيا وإستونيا ولاتفيا– الأعضاء في حلف الأطلنطي والملتصقين بالحدود الروسية. وبعد انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف سوف تزداد القائمة طولاً.
الأصل في العلاقات الدولية أنه لا توجد معايير إلا تلك التي جرى الاتفاق عليها؛ وتفسيرها يتوقف على كل موقف أو أزمة أو صراع أو توافق بين دول. والعنصر الحاكم في كلا الأمرين –الاتفاق والتفسير– هو المصلحة القومية لكل طرف وما تتمتع به الدولة من قدرة وقوة على حماية مصالحها. المعضلة في المعايير وازدواجها وتعددها هي أنه ليس كل الأطراف الدولية دولاً، وخلال العقود القليلة الماضية باتت شركات متعددة الجنسية أكثر قوة وقدرة من عدد غير قليل من دول العالم. المنظمات الإرهابية الدولية لا تعترف بالنظام الدولي كله، بل إنها تعلن رغبتها في تقويضه، وهي تمارس نشاطها في هامش العالم ودوله الهشة. القضايا الدولية الكبرى التي تسبب بعضها في موت ملايين من البشر مثل جائحة «كورونا»، تركت دول العالم كلها تقرر كيفية التعامل معها. وحينما وصلت دول إلى اللقاح، فإن بقية العالم تحدث عن عدالة التوزيع ورفض وجود معايير مزدوجة تعطي الحياة لبشر، وتمنعها عن بقية «الإنسانية». وقبل الجائحة فإن العالم كان يعلم تماماً بأن ظاهرة «الاحتباس الحراري»، سوف تتسبب في دمار كوكب الأرض؛ ولكنه مع الحرب الأوكرانية –بين روسيا والولايات المتحدة– فإن موضوع الاحتباس سقط تماماً من الأولويات العالمية.
كل ذلك معلوم في العالم العربي، ومع ذلك فإنَّ أطروحة «المعايير المزدوجة» تكون متاحة في كل المواقف، ولا يكلّ أحد ولا يملّ من لوم «المجتمع الدولي» على قبوله لها. الدبلوماسيون العرب ماهرون دائماً في استخدام هذه الحجة في المنظمات والمحافل الدولية وهي تعطيهم نوعاً من الرضا، لأنهم نجحوا في إحراج الدول الأخرى ومدى استقامتها الأخلاقية، وحصلوا على التهنئة من دول صديقة، ولكنّ أحداً بعد ذلك لن يسأل عمّا إذا كان قد حدث تقدم في القضية التي نطرحها. «القضية الفلسطينية» تلقى الكثير من استخدام الحجة، وفي المناسبات المتعلقة مع كل مستوطنة إسرائيلية وحتى اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة. بالطبع فإننا نعلم جيداً أن الولايات المتحدة، وهي دولة قامت على الاستيطان لن تكون متحمسة لعقاب دولة أخرى استيطانية، خصوصاً أن لديها في قلب أميركا مستوطنين يهوداً وعرباً أيضاً. وإذا كان هناك قانون للقضية «المركزية»، فإنه كان فرض الأمر الواقع الذي يجري بالكثير من الوقاحة؛ ومؤخراً أعلنت إسرائيل عن نيتها إقامة أربعة آلاف وحدة سكنية لليهود في المنطقة سي أو «C» في الضفة الغربية مع السماح للفلسطينيين ببناء 1000 وحدة سكنية. بالطبع فإن إسرائيل تعلم جيداً بالقيود المفروضة على البناء الفلسطيني في بقية أرجاء الضفة والقطاع وحتى داخل إسرائيل ذاتها حيث يوجد 21% من سكان الدولة من الفلسطينيين. الأمر الواقع الوحيد الذي نجح فيه الفلسطينيون كان البقاء ليس فقط رغم كل شيء في الضفة والقطاع، وإنما داخل إسرائيل نفسها؛ وبعد ذلك فإنهم فشلوا في كل أمر آخر. فلم يقيموا الدولة المستقلة، وما أقاموه من كيان سياسي صار ثلاثة كيانات: الفلسطينيون الذين يريدون الاندماج في الدولة الإسرائيلية، والذين يعيشون في غزة حيث دولة «حماس» الدينية، وكيان السلطة الوطنية التي انكمشت سلطاتها في القطاع، وليس كله. هنا تحديداً يكون المكان الوحيد الذي ينبغي أن تَصدق فيها وحدة المعايير، فلا قضية من دون معيار التمثيل الموحد للشعب والسلطة، وساعتها لن يكون للمعايير المزدوجة معنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشكالية المعايير المزدوجة إشكالية المعايير المزدوجة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon