توقيت القاهرة المحلي 20:11:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة

  مصر اليوم -

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة

بقلم: عبد المنعم سعيد

هناك مسرحية شهيرة للمؤلف والكاتب المسرحي السويسري فريدريش دورينمات (1921 – 1990) اسمها «زيارة السيدة العجوز» وهي الأشهر بين مسرحياته التي ينتمي معظمها إلى جنس «التراجيكوميدي» الهزلي المأساوي، حسب وصف المتخصصين. وفي المسرحية تقع فتاة في حب شاب من القرية، ويقيم معها علاقة، ثم يتخلَّى عنها وتحاول اللجوء إلى القضاء لإجباره على الاعتراف بالجنين، لكنه يستخدم شهود زور ويهرب، ثُم تترك المدينة وتعود بعد خمسين عاماً وقد أصبحت شديدة الثراء، وكان معها كفن، وقد استطاعت استمالة أهل القرية لها، ووعدتهم بالمال الوفير في حال قتل الحبيب السابق. ويبدأ أهل القرية في شراء أشياء كثيرة حيثُ إنها سوف تعطي لهم مبالغ كبيرة، ويقرر أهل القرية ضرورة قتله حتى يتسنى لهم أخذ الأموال، ويلجأ للشرطة فتتجاهله، ويذهب للقس، لكنه لم يُعرْه اهتماماً، ويطلب منه أهل القرية أن ينتحر حتى يتسنى لهم الحصول على أموال السيدة العجوز، لكنه يقرر اعتزال أهل القرية، ويبقى وحيداً حتى يموت.
المسرحية أصبحت من أكثر المسرحيات انتشاراً سواء كان ذلك في المسرح أو في السينما («الزيارة» بطولة إنجريد بيرغمان وأنتوني كوين 1964) وكلما جرى تخيُّل عقدة في الحياة محورها زيارة. ومن الشائع في الأدب والفن أن يقوم النقاد بإسقاطات سياسية واجتماعية على العمل الفني، وعندما عُرض الفيلم في منتصف الستينات فإنه جرى تفسير «الزيارة» على أنها جاءت من الولايات المتحدة إلى أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية ومن بعدها استقرت لهندسة الأمور الأوروبية، وفق مصالحها، مستخدمةً في ذلك أموالها الطائلة (مشروع مارشال). التفسير هكذا له طبيعة يسارية لها شكوكها في المال وأصحابه وطريقة إنفاقه لخدمة مصالح ذاتية قد يكون الانتقام لجرائم سابقة، وقد يكون نوعاً من الهيمنة والسيطرة المَرضية لصاحب المال والثروة والذي يسرّه كثيراً خلق أتباع وخدم. مثل هذا التفسير لا يزال جارياً، ويستخدم بعضاً منه فلاديمير بوتين، وفصائل من اليسار الأوروبي.
مناسبة العودة إلى هذه المسرحية، هي أنه بات معلناً أن الرئيس الأميركي بايدن سوف يقوم بزيارة للشرق الأوسط قبل نهاية شهر يونيو (حزيران) الجاري. وليس سراً أن القائد الأميركي هو من كبار السن، وأنه على عكس سابقه ترمب يعتقد أن الرسالة الأميركية إلى العالم والقائمة على أن الديمقراطية الأميركية كنظام سياسي هي الأقدر على حل مشكلات الدول والأقاليم والمجتمعات، خصوصاً في بلدان توجد فيها «السلطوية» و«الأوتوقراطية» وغيرها أسماء مشابهة لا يأتي منها خير. ومنذ استقر هذا الإعلان حتى كثرت الزيارات من ممثلي أميركا إلى دول الشرق الأوسط المختلفة وهم عادةً من الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية، وفي المقابل تدافعت زيارات مقابلة من دول المنطقة. كل هذه الحركة التي تعد للزيارة المرتقبة تقع في ظل عدد من الظروف الواجب أخذها في الحسبان:
أولها أن هناك حرباً جارية بين روسيا وأوكرانيا من جانب، وبين موسكو وواشنطن ومعها حلف الأطلنطي من جانب آخر. وإذا كانت الحرب لها نتائج سياسية واستراتيجية، فإن نتائجها الاقتصادية باتت الأعلى صوتاً لأنها تؤثر في العالم وتجعل الطاقة والنفط على رأس القضايا العالمية بما تسببه من تضخم وارتفاع في الأسعار. وثانيها أنها تقع بينما أعلنت وأخذت الولايات المتحدة بسبيل الخروج من الشرق الأوسط، في الوقت الذي باتت ترى أن أعداءها ومنافسيها في العالم هما روسيا والصين؛ أما أصدقاؤها وحيث توجد أكبر الفرص الاقتصادية المتاحة فهي في شرق وجنوب شرقي آسيا. وثالثها أنه لا توجد مشكلة في الشرق الأوسط تستحق الاهتمام قدر الاتفاق النووي مع إيران؛ أما الإرهاب أو الفوضى فهي قضايا للمنطقة لكي تحلّها، ولكن واشنطن لها نظرتها الخاصة التي ترفع صفة الإرهاب عن الحوثيين في اليمن والجماعة الإسلامية في مصر وعدد من المنظمات الإرهابية الأخرى، أما «الحرس الثوري الإيراني» ففيه نظر. ورابعها أن السيد بايدن يأتي إلى المنطقة وهو على أبواب معركة سياسية داخل أميركا خاصة بالتجديد النصفي للكونغرس والتي إذا حقق الجمهوريون أهدافهم فيها فسوف يشلّون أعمال إدارة بايدن فيما تبقى له من وقت حتى الانتخابات الرئاسية القادمة المحتمل أن يكون المرشح الجمهوري فيها هو دونالد ترمب أو شخصاً يشبهه. وخامسها أن رد فعل المنطقة على كل ما سبق هو الاعتماد علي الذات، ومنذ «إعلان العلا» الصادر عن القمة الخليجية فإن عملية تبريد وتهدئة لحرارة المنطقة بدأت في الدوران. قبل الإعلان كان بعضاً من دول المنطقة قد دخل في عملية «السلام الإبراهيمي» مع إسرائيل، وبعده بدأت عمليات فتح الأبواب والنوافذ مع إيران وتركيا؛ وهكذا عادت علاقات قُطعت، واستأنفت مبادرات إقليمية طريقها في خلق تفاهمات داخل الإقليم.
قد يكون هناك ما هو أكثر من ذلك يجري في المنطقة وفي العالم وينبغي أخذه في الحسبان، ولكن الزيارة لها أهميتها الخاصة، لأنها تأتي من دولة مهما قيل من تراجعها فإنها لا تزال القوة العظمى الأولى في العالم، حتى ولو جاءت من قائد مسنّ يريد تحقيق مكاسب خاصة، لأن بعضاً من مشكلاته الاقتصادية هي مشكلاتنا أيضاً. الدول العربية الخليجية المنتجة للنفط عليها أن تكون واضحة وصريحة أنها أياً ما سوف تقوم به فهو لخدمة الاقتصاد العالمي ومصالحها، وأنه ينبغي أن يكون مفهوماً أنه لا يجب الضغط على الدول المنتجة ساعة ارتفاع الأسعار، بينما يدير العالم وجهه في الناحية الأخرى ساعة انخفاضها. وفيما يتعلق بمشكلات الشرق الأوسط ومعضلاته، فإن أهل مكة أدرى بشعابها، وفي الواقع فإنه في كل مرة تتدخل فيها الولايات المتحدة في المنطقة فإن القرار يهرب منها إلى واشنطن، وساعتها فإن عواصم أخرى في العالم مثل بكين وموسكو تبحث عن نصيبها أيضاً من كعكة القرار. وإذا كان هناك همٌّ إسرائيلي لدى الولايات المتحدة، فإن الواقع الحالي يشير إلى وسائل متعددة لاستيعاب إسرائيل داخل الشرق الأوسط كما حدث في اتفاقيات سلام والعلاقات المباشرة، وإقامة منتدى غاز شرق البحر المتوسط، وفي أشكال أخرى من التفاهمات في شمال البحر الأحمر وحرية المرور البريء، سواء كان في البحر أو في الجو. ما يقف أمام هذا الاستيعاب الشامل حتى الآن هي السلوكيات الإسرائيلية المستمرة في الاستيطان في المنطقة «سى C» الفلسطينية، والتمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي الاعتداء المستمر على الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في القدس، سواء من الحكومة الإسرائيلية أو المتطرفين اليهود في القدس وعلى المسجد الأقصى. كل ذلك يمكن التعامل معه على أسس إقليمية مباشرة، كما حدث في كل التطورات الإيجابية التي جرت خلال السنوات الأخيرة. بقي أمر واضح وصريح وهو أنه فيما يتعلق بإيران فلا ينبغي أن يكون مسموحاً لها بامتلاك السلاح النووي، ولا بأس من تشجيع المقترح القديم أن تكون منطقة الشرق الأوسط كلها منزوعة السلاح النووي ومعه كل أشكال أسلحة الدمار الشامل الأخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon