توقيت القاهرة المحلي 11:27:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متى نتعلم اللغة الصينية؟!

  مصر اليوم -

متى نتعلم اللغة الصينية

بقلم: عبد المنعم سعيد

حينما وصل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى بكين، في زيارة تستغرق أسبوعاً، من 21 إلى 28 فبراير (شباط) 1972، كان ذلك يمثل واحدة من أعمق التحولات في السياسة الدولية. نتيجة الزيارة الأساسية كانت اعتراف الولايات المتحدة بوجود صين واحدة، ولا بأس من وجود نظامين: أحدهما رأسمالي، والآخر اشتراكي، وكان معنى ذلك أن مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن والمنظمات الأخرى قد بات من حق جمهورية الصين الشعبية.
الزيارة نفسها كان فيها كثير من الإثارة؛ حيث بدا أنها فتحت الطريق لتغييرات كبيرة في نظرة العالم للدولة الشيوعية في ذلك الوقت. هنري كيسنجر في مذكراته ذكر أنه عندما دخل ماو تسي تونغ إلى حجرة الاجتماع، بدا أن مركز العالم يتغير إلى حيث يوجد ذلك الرجل. ولكن التغيير أصاب الصين أيضاً، فلم تمضِ سنوات قليلة على وفاة ماو، حتى دخلت الصين في أكبر عملية تنمية عرفها تاريخ العالم، بدءاً من عام 1978. وبات ممكناً للصين أن تستعيد هونغ كونغ وماكاو؛ وبقي بينها وبين تايوان البحث عن طريقة لكي يكون هناك صين واحدة مع نظامين، كما حدث في الحالتين السابقتين.
وقتها، وجدت الصين نفسها في وسط العالم، وفي نيويورك؛ حيث يوجد عالم الأمم المتحدة بدبلوماسيته المعقدة التي تختلف جدياً عن دبلوماسية المؤتمرات التي تعرفها لدول المجموعة الشيوعية ودول التحرر الوطني في العالم وقتها.
في ذلك الوقت، جرت الاتصالات بين بكين والقاهرة؛ حيث كانت العلاقات طيبة منذ فترة جمال عبد الناصر وشواين لاي، وكان الهدف الصيني هو تعلم اللغة العالمية الجديدة.
تغيرت الصين كثيراً خلال العقود التالية، ورغم أن الصين نظرت إلى «العولمة» نظرة متشككة في أهدافها الغربية الاستعمارية، فإنها سرعان ما وجدت فيها خلاصاً صينياً خالصاً؛ حيث باتت الدولة الأولى في العالم من خلال التجارة في صادرات تكاد تغطي كافة احتياجات الكون. لم يكن في الصين أي من العقبات المعروفة أمام النظام الرأسمالي النقي الذي لا يقف أمامه لا عائق نقابي، أو حزبي، أو إعلامي، وباتت الدولة التي تحقق فائضاً مع كل دول العالم تقريباً.
وإذا كان من مشهد يعبر عن هيكل النظام العالمي الجديد، بعد عامين من الجائحة، فإن صعود الصين إلى مكان الدولة العظمى بات واحداً منها. وكما ذاع الحديث عن أن هناك معتاداً جديداً للتعايش مع أزمة «كورونا»، ومعتاداً آخر للتعامل مع الإرهاب، يجعل في الحالتين المقاومة ممكنة، ولكنها في الوقت نفسه لا تشل الحياة الإنسانية في القدرة على البناء والتقدم؛ فإن هناك حاجة ماسة للتعامل مع الصين ومكانتها الجديدة؛ ربما تحتاج مقتربات أخرى غير تلك التي سادت من قبل.
ولكن الاعتياد على أن تكون الصين قوة عظمى، ربما يكون أكثر تعقيداً من معتاد «كورونا» أو الإرهاب؛ لأن ظهور دولة عظمى إلى النظام الدولي ليس من الأمور التي تجري كل يوم، وبالتأكيد ليس كل عام، ولكن العام الحالي الذي يأخذ طريقه إلى الأفول كان شاهداً.
بزغت الصين وهي مهتمة -لا تزال- باستمرار عملية البناء الداخلي فيها على مسار الدولة العظمى التي تصدِّر للعالم كل شيء، ومعه تصل إلى الفضاء الخارجي؛ والآن لديها «علي بابا»، و«جي 5»، وسيارات كهربائية، وأقمار صناعية، وشركات عملاقة، ومشروع كوني «الحزام والطريق».
هي من الحجم والتأثير الآن ما يجعل منطقتنا العربية تفعل ما فعلته الصين من قبل، وإذا كانت وقت الظهور تسعى لمعرفة لغة العالم، فإننا الآن ربما نحتاج تعلم اللغة الصينية، ليس في علم اللغات والحديث والآداب والأشعار، وذلك ربما يكون مهماً في مرحلة ما، وإنما الحاجة الآن هي فهم اللغة الدبلوماسية والسياسية، وبالتأكيد الاقتصادية.
الدرس الأول الذي نعلمه، أن الشائع من الاعتماد الصيني على نفط الشرق الأوسط صحيح، ولكنه ليس كافياً لمعرفة عمق العلاقة الاقتصادية بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المصادر الكبرى لتصدير النفط والغاز الطبيعي إلى الصين، هي إيران والجزائر والمملكة العربية السعودية.
وكما هو واضح فإن الصين لا تفرق في علاقاتها الاقتصادية بالدول على أساس مدى صداقاتها أو خصوماتها. وهذا يقودنا إلى الدرس الثاني، وهو أن الصين يمكنها أن تدير ميناء حيفا في إسرائيل، بينما تعقد أكبر صفقة للتبادل الاقتصادي مع إيران، في الوقت نفسه الذي تذهب فيه إلى علاقات اقتصادية عميقة -بالإضافة إلى إسرائيل- مع كل من سوريا ومصر والأردن وتركيا، وفي مجالات تبدأ بالطاقة ولكنها تشمل العقارات والمواصلات والمنافع العامة والزراعة والتعدين وأشياء أخرى.
وخلال الفترة من 2006 حتى 2020، بلغت الاستثمارات الصينية في الدول الخمس 85.1 مليار دولار، وهو ما يمثل 33 في المائة من إجمالي 251 مليار دولار استثمارات في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الدرس الثالث أنه بينما الاهتمام الصيني بالدول النفطية راجع إلى احتياجات الطاقة، فإنه بالنسبة للدول الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، له علاقة وثيقة بمشروع الصين الكوني «الحزام والطريق». هذا المشروع الصيني هو الترجمة الصينية للعولمة، والذي يقوم على خلق سلسلة كبيرة من الطرق والممرات البحرية حول الكرة الأرضية، تكفل للصادرات الصينية أسواقاً هائلة تريد الوجود فيها مهما كانت الأوضاع «الجيوسياسية» ملتهبة ومتصارعة.
الدرس الرابع الذي لا يجوز تجاهله، هو أن التوسع الصيني الجاري لا يقابَل بترحيب من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، التي لا تزال تتعامل مع العلاقات الدولية من منطلقات تقليدية، تبدأ من حسابات المكسب والخسارة، ولا تنتهي بتقدير أنه من ليس معنا فلا بد من أن يكون ضدنا.
ورغم أن قيادة الرئيس بايدن تريد التعامل مع الصين من زاوية «التعاون التنافسي»، فإنها في الواقع لا تتردد في استعمال أدوات الحرب الباردة للتعبير عن تنافسها. وبينما ترى أن هناك وحدة في المصالح فيما يتعلق بالوباء والاحتباس الحراري ومنع انتشار الأسلحة النووية، فإنها في الوقت نفسه لا تتردد في محاولة حصار الصين عن طريق مجموعة «الكويد»، ومد أستراليا بالغواصات النووية.
وفي الشرق الأوسط، فإنها تنظر بقلق شديد إلى تنامي العلاقات الصينية الشرق أوسطية، مع قلق واضح من علاقات الصين مع مصر وتركيا وإسرائيل. وبينما من المفهوم أن العلاقات مع مصر وتركيا لها علاقة بالموقع الاستراتيجي لكلتيهما، فإنها مع إسرائيل تشمل الاستثمارات الضخمة مع حليف تاريخي؛ مضافة لها إمكانية تسرب التكنولوجيات المتقدمة، التي تمنحها أميركا لإسرائيل بكرم بالغ، إلى الصين.
وبعد أن كانت الصين من أكثر المصادر الدولية للاستثمار في وادي السيليكون الأميركي؛ فإنها الآن وبعد القيود التي فُرضت عليها من أميركا ترمب، وبايدن أيضاً، سرعان ما ذهبت إلى وادي السيليكون الإسرائيلي؛ حيث العديد من الشركات الإسرائيلية عالية التكنولوجيا لديها استثمارات تشاركية مع الشركات الأميركية المتقدمة، والتي تقلق الولايات المتحدة، أنها من خلال الطريق الإسرائيلي سوف تصل إلى الصين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى نتعلم اللغة الصينية متى نتعلم اللغة الصينية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي

GMT 05:00 2021 الأربعاء ,14 تموز / يوليو

تفريغ 964 طن حديد في ميناء غرب بورسعيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon