توقيت القاهرة المحلي 06:25:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرد الصيني على مؤتمر الديمقراطية

  مصر اليوم -

الرد الصيني على مؤتمر الديمقراطية

بقلم: عبد المنعم سعيد

زرت الصين مرتين؛ الأولى في عام 1997 وكانت في أعقاب ما سمي أيامها «الأزمة الاقتصادية الآسيوية»، كذلك قيام كل من الهند وباكستان بإجراء أول تجاربهما النووية. الحدثان ارتج لهما العالم ورأت رئاسة تحرير «الأهرام» الغراء ترتيب رحلة صحافية لاستكشاف ما يحدث في شرق وجنوب شرقي آسيا قمنا فيها بزيارة باكستان والهند وسنغافورة وإندونيسيا وأخيراً الصين. والثانية كانت للصين وحدها في عام 2002، وكانت الولايات المتحدة قد غزت قبل شهور أفغانستان وبدا أن وجود قوات أميركية ملاصقة ربما يكون مصدر قلق في بكين وهو ما لم نجده آنذاك، وعلى العكس كان هناك قبول وقدر ليس قليلاً من الترحيب. كان الانطباع هو أنه إذا كانت الولايات المتحدة سوف تقوم برفع عبء الإرهاب عن الصين فلا بأس، كما أن وجود قوات أميركية في القريب الصيني فيه إغراء للقوة الصينية التي كانت الأراضي الأميركية آنذاك بعيدة عنها. وبينما كان الانطباع في الزيارة الأولى هو أن الصين لم تخرج بعد من إطار العالم الثالث، وبدا لي شخصياً أن بكين ربما كانت مثل القاهرة في عام 1974، ولكن الزيارة الثانية التي شملت بكين وشنغهاي ومدناً أخرى في الجنوب الشرقي، كان الانطباع وقتها أن الصين قد باتت على أعتاب المكانة العظمى. كانت ورشة عمل هائلة عددت فيها 26 «كرين» أو رافعة للمعدات وأدوات البناء في مسافة لا تزيد على كيلومتر واحد. من وقتها لم أتوقف عن متابعة الصين، وقبل أسبوع كان موضوع مقالي في هذا المقام عن «سباق الديمقراطية والسلطوية» والذي كان في الأساس تحليلاً نقدياً لخطاب أميركا إزاء الصين وهي تعد لمؤتمر الديمقراطية. لم يكن في تخيلي وقتها أن الصين يهمها في كثير أو قليل أن تدخل في معركة «آيديولوجية» مع الولايات المتحدة، وأن أقصى ما سوف يكون عليه الرد الصيني لن يزيد على التعبيرات المعتادة عن رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ولكن الحقيقة هي أن الصين كان لديها ما هو أكثر من ذلك، ولم يكن ذلك بالعودة إلى «الكتاب الأحمر» الذي كان يرفعه أنصار ماو تسي تونغ إبان الثورة الثقافية، وإنما كان بمبادرة فكرية ونظرية قد تكون مقدمة لمناظرة عالمية حول أي من النظم السياسية سوف يكون أكثر كفاءة وفاعلية في إدارة شؤون البشر. ولأول مرة فيما نعلم، فإن الصين باتت مستعدة للخروج بوثيقة تمثل الإطار الآيديولوجي للدولة الصينية وتقدمه للعالم باعتباره معبراً عن النجاح والإنجاز.
وفي يوم السبت 4 ديسمبر (كانون الأول) الجاري ونقلاً عن صحيفة «غلوبال تايمز» Global Times الصينية والتي تصدر عن دار صحيفة «الشعب» المعروفة أصدر المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني كتاباً أبيض بعنوان «الصين: ديمقراطية فاعلة». وينقسم النص الأساسي للكتاب الأبيض إلى خمسة أقسام: «الديمقراطية الشعبية للعملية بأكملها في ظل قيادة الحزب الشيوعي الصيني»، و«إطار مؤسسي سليم»، و«ممارسات ملموسة وعملية»، و«ديمقراطية فعالة»، و«نموذج جديد للديمقراطية». وفي العموم فإن هذه العناوين كلها يمكن تقسيمها إلى موضوعين رئيسيين؛ أولهما نقد النظام السياسي والاقتصادي الغربي الذي تمثل الولايات المتحدة محتواه الصافي، وثانيهما دفاع مجيد عن المقابل السياسي والاقتصادي على الناحية الصينية، مع مقارنة بين النظامين من حيث المخرجات والنتائج. هنا فإن الكتاب الأبيض لا يعود إلى المقولات الماركسية التقليدية عن توزيع فائض القيمة، والصراع بين الطبقات، وإنما ينطلق من أرضية ومرجعية مشتركة تقوم على الفكرة الديمقراطية ذاتها، والتي من وجهة النظر الصينية لا بد من فهمها في إطار الظروف الخاصة لكل دولة من ناحية، ودرجة الفاعلية في مقابلة الاحتياجات الشعبية التي هي الأصل في الفكرة الديمقراطية من ناحية أخرى.
البداية الصينية موجعة في أنها تعيد التذكير بالبدايات الأولى للنظام السياسي الأميركي، وهي في ذلك لا تستعيد ماضياً تعيساً وإنما تؤكد فكرة الظروف والبيئة المختلفة التي تولد نظماً سياسية تتلاءم معها حتى في داخل الولايات المتحدة ذاتها. يقول الكتاب الأبيض: «في البداية، كانت الديمقراطية على النمط الأميركي هي الديمقراطية لمالكي العبيد وأقلية من النخب المجتمعية، ثم توسعت تدريجياً إلى «شخص واحد، صوت واحد». ومع ذلك، حيث تم تقسيم نمط المصلحة الاجتماعية واستقطابه، فإن الناس العاديين غير قادرين على تحويل أصواتهم إلى وسيلة لحماية مصالحهم الفعلية. الحكومة بالنسبة لهم هي مفهوم مجرد في الحياة الواقعية. أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ مهووسون بالشجار وجذب الانتباه. يمكن للحكومة الفيدرالية أن تتجاهل انتقادات وسائل الإعلام تماماً بل وتوبيخها (الإشارة هنا لفترة الرئيس ترمب الذي لم يكن يكف عن السخرية من أجهزة الإعلام). نتيجة لذلك، بغض النظر عما تقوله وسائل الإعلام، ليس لها أي تأثير. ورغم أن الكتاب الأبيض يشير إلى بعض الإيجابيات في الديمقراطيات الغربية وفي مقدمتها حكم القانون ودور القضاء، فإنه في ذات الوقت يقدم درجة كبيرة من النقد للتجربة الأميركية التي تنعدم فيها الفاعلية بعد أكثر من 200 عام من الإفراط في الاستهلاك، ولا يمكن أن يوفر الدافع لحل حتى أبرز المشاكل في الولايات المتحدة. لقد أصبح النظام السياسي تقريباً إطاراً أجوف حينما تجري جولات من الانتخابات. أصبحت الانتخابات بحد ذاتها السمة الوحيدة للديمقراطية الأميركية، وأصبح الفوز في الانتخابات الهدف الأسمى للأحزاب السياسية والساسة. ومع تمزق المجتمع الأميركي، أصبح العمل على حل المشكلات أمراً غير اقتصادي على نحو متزايد. ثبت أنها طريقة «أذكى» للتظاهر بحل المشكلة ثم إلقاء اللوم على المعارضين السياسيين لعدم قدرتهم على حل القضايا والاحتيال على ثقة الناخبين. «سيقدر السياسيون الشعب الأميركي فقط عندما يكونون «ناخبين»، لكن بعد كل انتخابات، لا يمكنهم الإشراف المستمر على الجانب الفائز».
التأكيد على الفاعلية والإنجاز هو المصدر الرئيسي للنقد الصيني للتجربة الأميركية، ومنها يكون التقييم الإيجابي للتجربة الصينية. المحك الكبير هنا هو تجربة التعامل مع جائحة (كوفيد - 19) حيث أدت إلى وفاة أكثر من 700 ألف في الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الحكومة الفيدرالية ليست بحاجة لتحمل المسؤولية. بدلاً من ذلك، يمكن للرئيس التنصل من المسؤولية تجاه الأشخاص العاديين الذين لا يتم تطعيمهم أو يرفضون ارتداء الأقنعة. ومع وضع الأضواء الساطعة على التجربة الأميركية، فإن مقابلها الذي يقوم بالتحدي هو «الديمقراطية الشعبية الكاملة» الصينية التي تضع الحكومة في وضع يمكنها من العمل لتحقيق أقصى قدر من رفاهية الناس. «تم تصميم ديمقراطيتنا لمعالجة مشاكل العالم الحقيقي، بدءاً من الفقر، وتلوث الهواء، إلى الحد من انتشار الوباء، وتخفيف نقص الطاقة». كانت الصين أولى الدول التي دخلت إلى الجائحة، ولكنها كانت أيضاً أولى الدول التي خرجت منها سواء كان ذلك بتنظيم التعامل مع المرض أو إنتاج اللقاحات والأدوية التي تتعامل معه. وعلى أي الأحوال لقد بدأت المناظرة الأميركية الصينية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرد الصيني على مؤتمر الديمقراطية الرد الصيني على مؤتمر الديمقراطية



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 08:38 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس
  مصر اليوم - تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 22:40 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»
  مصر اليوم - روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon