توقيت القاهرة المحلي 18:32:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

باخموت أو ستالينجراد أوكرانيا

  مصر اليوم -

باخموت أو ستالينجراد أوكرانيا

بقلم - عبد المنعم سعيد

لا أدرى عما إذا كانت مدينة «باخموت» الأوكرانية سوف تكون لا تزال صامدة ساعة نشر هذا المقال، بعد أن جاءت آخر الأنباء بأنها باتت واقعة تحت الحصار الروسى الكامل ومن جميع الجهات الجغرافية. المدينة التى يُجمع المحللون والمراقبون على أنها ليست لها أهمية استراتيجية فى مسار الحرب الروسية الأوكرانية، ومع ذلك فإنها أصبحت ذات قيمة رمزية وسياسية كبيرة للطرفين، ومن ثَمَّ باتت وقائعها تشابه عملية قاسية لعض الأصابع متبادلة بين طرفين بالتأكيد غير متكافئين حول أى منهما سوف يتراجع. ولا أدرى لماذا كان الإلحاح كبيرًا على الذهن فى تذكُّر مدينة ستالينجراد الروسية السوفيتية خلال الحرب العالمية الثانية، التى أصبحت أسطورة للحرب والفداء وعض الأصابع فى تاريخ الحروب كلها وليس الحرب العالمية الثانية فقط. وساعة حدوث النصر الروسى بعد حصار ألمانى دام ستة شهور من ٢١ أغسطس ١٩٤٢ إلى ٢ فبراير ١٩٤٣، وكان النصر فيها بداية العد التنازلى لوجود ألمانيا النازية، فلم تعرف ألمانيا من وقتها إلا التراجع. المعركة الطاحنة خلّدتها كتب وأفلام وروايات كثيرة، وظل الاسم شهيرًا رغم تغيُّر اسم المدينة لأكثر من مرة (فولجوجراد اليوم)؛ وفيها جرى تدمير الجيش السادس الألمانى، وأسر مئات الألوف من الألمان، وفى التاريخ الروسى/ السوفيتى كانت المعركة تاريخية بكل المعايير فى تاريخ الحروب. باخموت لا يمكن مقارنتها بستالينجراد نظرًا للأهمية الاستراتيجية لهذه الأخيرة، حتى إن النصر فيها كان مع معركة «العلمين» فى مصر هما نقطة التحول الكبرى لصالح الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية.

{رغم هذا الفارق بين المدينتين، فإن هناك إصرارًا كبيرًا على المواجهة فيها، حتى ولو سقط فيها الكثير من الضحايا على الجانبين. وجه الشبه بين المدينة الروسية وهذه الأوكرانية هو أن أسوارها، التى ظلت صامدة لحوالى ستة شهور، عبّرت عن صمود بطولى أصر فيه الأوكرانيون- رغم اعتراضات القيادة العسكرية- على البقاء لحرب مواجهة أولًا مع القوات الروسية، تُستخدم فيها الدبابات والمدافع، ثم حرب مدن ثانيًا يصل فيها الالتحام يدًا بيد. الحرب صارت استنزافًا كبيرًا للقوات الروسية قدر ما بين عشرين وثلاثين ألف قتيل، غير مَن هم أكثر منهم من الجرحى، مع تدمير أعداد كبيرة من المُعَدات؛ وفى داخل شوارع المدينة وحواريها يصبح الجنود صيدًا كبيرًا للقوات المدافعة. حرب المدن دائمًا من أصعب أنواع الحروب حينما تكون الرؤية والمعرفة لصالح القوات المدافعة، بينما يغم النظر على القوات المهاجمة. هكذا كان درس ستالينجراد حينما استطاع قناص واحد أن يقتل ٢٠٠٠ من الغزاة. وبسببها أيضًا جرى انقسام فى القيادة العسكرية الألمانية بين الاستمرار فى الهجوم أو التراجع لبناء جيش آخر. جرى مثل هذا الانقسام بين قيادة قوات فاجنر المرتزقة والقيادة العامة الروسية حينما شكا علنًا من نقص الذخيرة، وحمّل المسؤولية للقيادة العسكرية الروسية. لماذا تأخرت الذخيرة على جيش الدولة العظمى الثانية فى العالم؟. غير معلوم، ولكن ما حدث لا يختلف كثيرًا عن تاريخ الحرب منذ بدايتها عندما ظهر الكثير من عدم الكفاءة فى الإمداد والتموين وتوصيل الذخيرة فى موعدها وبالقدر المطلوب.

الاستراتيجية العسكرية الأوكرانية ربما قامت على جعل مدينة باخموت صيدًا كبيرًا للقوات الروسية؛ فالمدينة نفسها، التى يبلغ عدد سكانها ٧٠ ألف نسمة، لم يعد موجودًا فيها إلا أربعة آلاف من المدنيين فقط لا غير، ومنهم عدد قليل من الأطفال. الإمداد والتموين على الجانب الأوكرانى لا يبدو أن به مشكلة، أو معضلة خطيرة، وبشكل ما، وحتى بعد إغلاق كافة منافذ المدينة، فإنها لا تزال مستمرة فى المقاومة. النتيجة التى يبدو أن القيادة الأوكرانية تسعى إليها هى أنها تريد استخدام المدينة فى تعطيل «هجوم الربيع» الروسى لأطول مدة ممكنة، بحيث تمنح أوكرانيا الفرصة لاستيعاب فيض التسليح الغربى الجديد والتدريب عليه لكى يكون قلب الهجوم الأوكرانى المضاد. وبقدر ما تحتاج الدبابات الألمانية والبريطانية والأمريكية لوقت للاستيعاب، فإن إدماج الدبابات الروسية، التى جرى الحصول عليها أثناء العمليات العسكرية السابقة، معها فى منظومة عسكرية واحدة لا شك سوف يحتاج وقتًا. سوف يُكتب فى التاريخ أن معركة باخموت دارت حول امتصاص الطاقة الهجومية الروسية، حيث كان الهدف من التضحيات الأوكرانية الكبيرة، التى أظهرت استعدادًا أوكرانيًّا لكى تكون مدينتهم مثل ستالينجراد، حتى ما لم يأتِ على ألسنتهم اسمها فى أى وقت. فى يوم ما ليس ببعيد، سوف يجرى لـ«باخموت» ما جرى لـ«ستالينجراد» من روايات وأفلام، والتاريخ دائمًا فيه الكثير من العجب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باخموت أو ستالينجراد أوكرانيا باخموت أو ستالينجراد أوكرانيا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon