توقيت القاهرة المحلي 17:49:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حبيبتى الدولة!

  مصر اليوم -

حبيبتى الدولة

بقلم - عبد المنعم سعيد

«حبيبتى الدولة» تعبير برز فى الثقافة والصحافة والكتب والشعر فى لبنان الشقيق إبان الحروب الأهلية اللبنانية فى العصر الحديث. كان الشوق شديدًا ساعة انهيار المؤسسات والنظام وكثرة الميليشيات المتحاربة؛ ولا يزال الشوق مستعرًا بعدما بقيت الدولة ولكنها أحيانًا تفتقد الرئيس «الشرعى» أو مجلس الوزراء أو البرلمان.

لبنان كان له دائمًا طريقة لصناعة دولة فريدة باتت نموذجًا فى التعامل مع الانقسام الطائفى، عندما جرى التفاهم على تقسيم السلطة والمناصب العليا، الرئيس صار للموارنة ورئيس الوزراء من السنة، ورئيس البرلمان من الشيعة.

وبعد أن انهار ذلك كله فإن اللبنانيين باتوا مستقرين على كيان سياسى يتوقف فيه إطلاق النار؛ ويدور وفق السوابق أو فى حدها الأدنى؛ يقف حارسًا على بقائها دون حرب أهلية «الثلث المعطل» الذى يقف على نظام الدولة وحمايتها الخارجية والحرب من أجل تحرير فلسطين.

موضوعنا ما هو سائد حاليًّا من أن حل «الدولتين» هو الحل الأمثل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى؛ ولما كانت إسرائيل قائمة، فإن القضية أصبحت هى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الفكرة قديمة قدم تقرير لجنة «بيل» ١٩٣٩، وقرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين ١٩٤٧، وما توحى به اتفاقية أوسلو ١٩٩٣، ومبادرة السلام العربية ٢٠٠٢. السعى نحو الدولة الفلسطينية لم يتوقف، ويقف الآن على أكتاف المرحلة الراهنة من حرب غزة الخامسة. هو مطلب عربى وفلسطينى رئيسى وسياسى واستراتيجى لحل الصراع وتحقيق الوئام فى الشرق الأوسط.

المعضلة الكبيرة القائمة أن التصور السائد هو أن هذه الدولة الفلسطينية لن تقوم ما لم تسمح بها إسرائيل بالتنازل عن الأرض الفلسطينية المحتلة؛ ويظل ذلك موضوعًا للتفاوض بدءًا من «قضايا الوضع النهائى» لاتفاقية أوسلو؛ وحتى ما هو متخيل الآن لمسار وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات لأهل غزة ثم الانسحاب الإسرائيلى من أرض احتلتها فى «النزاع الأخير»؛ وما قبله أيضًا.

ورغم الأهمية الكبرى سياسيًّا واستراتيجيًّا وقانونيًّا أيضًا لتحقيق الانسحاب الإسرائيلى فإن الدولة «حبيبتى» لا تحدث فقط بمثل هذا الانسحاب. الدولة دائمًا لها وجهان أولهما هو أن بناء الكيان السياسى للدولة يبدأ من شعب تواصلت أنسجته وخلاياه ومناطقه وثقافته لكى تخلق حالة «وطنية» هى الطابع بعد ذلك على «مواطنين» توافقوا، وليس بالضرورة اتفقوا، على أن يشكلوا حالة متميزة بالأرض التى يعيشون عليها وتختلف عمن يجاورها، ومن كان بعيدًا عنها.

هى كيان غير قابل للتكرار، والاحتلال تاريخيًّا كان من المحفزات لقيام الدولة، ولو لم يحتل نابليون إيطاليا لما جرى توحيد إيطاليا فى دولة واحدة. ولا توجد دولة تتطابق مع دولة أخرى فى وضعها «الجيو سياسى»، وكما يقال إن الإنسان لا يختار والديه فإن الدول لا تختار جيرانها بحرًا كان أو برًّا. وما يجعل الدولة فريدة فى العصر الحديث هو نوعية «القومية» التى تحتويها حيث تضع هذه الحالة «شخصية» للدولة ونوعية تركيبها ليس فقط الجغرافى وإنما مع ذلك التاريخى والثقافى.

ولكن الدولة أيضا «حالة»، وتلك الأيام «نداولها» بين الناس، أى نظام اختاره البشر لتنظيم أمورهم، ومن أهمها البقاء للجميع، وتنظيم العلاقات بينهم من خلال «سلطة» ليست شيخًا لقبيلة، ولا زعيمًا لعصبة وطائفة، وإنما هى الوحيدة التى تمتلك الاستخدام «الشرعى» أى المقبول به للسلاح سواء كان للمقاومة إذا كان البلد محتلًّا أو للدفاع عن الدولة إذا جاءها عدوان من الخارج.

مثل هذه الوظيفة التى هى من خصائص الدولة لا تقبل القسمة ولا الانقسام ولا «الثلث المعطل» الذى تحتكره طائفة أو جماعة. وحينما كانت إسرائيل فى طور بناء الدولة لم يقبل «بن جوريون» إلا أن يكون هناك تنظيم واحد مسلح هو «الهاجاناه» وكان على جميع التنظيمات المسلحة الأخرى- البالماح وليهى أرجون وشتيرن- الاندماج. كانت الدولة الإسرائيلية تضع أساس وجودها الموضوعى.

الدرس هنا كان يتسق مع قواعد بناء الدول طبقته جبهة التحرير الجزائرية لإنشاء الدولة المستقلة عن فرنسا. ولكن الدفاع ليس هو الوظيفة الوحيدة للدولة وإنما يضاف لها تنمية المؤسسات التى تعبر عن الهوية الوطنية، والتى تتيح الانتقال من عصر إلى آخر ضمن إطار مشترك.

مصر بنت دولتها المعاصرة بعد ثورة ١٩١٩ انطلاقًا من تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، ورغم التحفظات الأربعة المخلة بالسيادة، فإن النخبة المصرية أقامت دستورًا وبرلمانًا وحكومة وتمثيلًا خارجيًّا ونظامًا تعليميًّا وصحيًّا وإداريًّا واقتصاديًّا، ووقعت اتفاقية استقلال أكثر تقدمًا عام ١٩٣٦ ثم ألغتها عام ١٩٥٢. المعطيات كانت تتغير، ولكن ثبات الدولة المصرية كان هو الذى لا يتغير. فهل يتعلم الفلسطينيون؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حبيبتى الدولة حبيبتى الدولة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon