توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصين وشمسها الساطعة

  مصر اليوم -

الصين وشمسها الساطعة

بقلم: عبد المنعم سعيد

السؤال حول من الرابح ومن الخاسر في الأزمة الأوكرانية سوف ينتظر نهاية الحرب الروسية - الأوكرانية؛ ما عدا أن الصين هي فائز مؤكد. فحتى كتابة هذا المقال كانت الحرب قد دخلت في يومها الثامن، وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين، أن حرب موسكو مع كييف تسير وفق الخطط الموضوعة، وتبعاً للجدول المحدد. لم يكن ظاهراً من الكلمات أن الوقوف الروسي عند أسوار العاصمة الأوكرانية ليس نتيجة الصمود الأوكراني، وإنما هو مقرر في الخطة الروسية. ولا كان الحال كذلك في المدن الأوكرانية الأخرى، ويبدو أن ما كان مقرراً هو مزيد من الضغط على الشعب الأوكراني لكي يغادر المليون نسمة تقريباً أراضيهم. على أي الأحوال، فإن بعضاً من الضوء جاء من اتفاق الجانبين الروسي والأوكراني على فتح ممرات «إنسانية» للدواء والطعام. أياً ما كانت نتائج هذه الخطوة وعما إذا كان عارضة أو أنها سوف يتلوها خطوات أخرى لا يزال في طي الكتمان، فلا أحد على الطرفين يريد التسرع في الإعلان عن حاجته إلى هدنة من القتال. الطرف الوحيد الذي يبدو متماسكاً ومقرراً أنه لا بد في نهاية الأزمة قد سمح العالم ولو جزئياً بتغيير النظام الدولي بحيث يكون فيه للصين مقعد متميز بين الأقطاب. وأول الغيث الصيني، أن الدولة الصينية قد خرجت من حالة «الكمون الاستراتيجي» التي عاشتها لسنوات طويلة كانت كافية فيها أن تتغير بالطريقة التي تحلو لها، أما «المملكة الوسطى» فإنها سوف تتغير في الوقت الذي تحدده. وكان أول تحديد زمني لافت للنظر بعد الخروج الأميركي من أفغانستان عندما قادت اجتماعاً لروسيا وإيران وباكستان يقدم لـ«طالبان» صفقة لا يستطيع أحد رفضها، فلا جمع مع الجماعات الإرهابية، ولا تدخل من أحد في الشؤون الداخلية الأفغانية. وكان ثاني هذه التحركات هو قيام بكين بتسهيل عمليات التفاوض المعقدة بين إيران والولايات المتحدة حول السلاح النووي الإيراني، سواء كان ذلك في مباحثات فيينا أو خارجها.
وبالطبع، كانت الصين قد خرجت من كمونها داخلياً منذ عام 1978 عندما دخلت في نوبة عميقة من الإصلاح الداخلي قوامها «اقتصاد السوق الاجتماعية». وبعد أكثر من أربعة عقود من هذا التغيير الكبير، فإن الدولة الصينية باتت من الظواهر الملحوظة في النظام الدولي المعاصر بما لديها من اقتصاد كبير، وتطورات تكنولوجية ملموسة، ومبادرات كبرى طرحتها، ويقع في مقدمتها «الحزام والطريق» الذي فيه من المرونة ما يكفي الكثير من دول العالم. وفي 4 فبراير (شباط) من العام الحالي، وفي أعقاب دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وقّعت الصين وروسيا وثيقة مهمة دعت إلى مراجعة النظام العالمي المعاصر والذي تكوّن في أعقاب نهاية الحرب الباردة. وتضمنت الوثيقة، أن «الديمقراطية» تمثل قيمة إنسانية عامة وليست امتيازاً لبعض الدول، ويمثل إحلالها والدفاع عنها مهمة مشتركة للمجتمع الدولي بأكمله. ولكن «لدى كل شعب الحق في اختيار سبل إحلال الديمقراطية» و«ليس من حق أحد سوى هذا الشعب تقييم مدى ديمقراطية دولته». «محاولات بعض الدول فرض (معايير ديمقراطية) خاصة بها على بلدان أخرى تمثل إساءة للديمقراطية وتشكل خطراً ملموساً على السلام والاستقرار العالميين والإقليميين وتقوض النظام العالمي».
مراجعة الوثيقة كاملة يليق بها مكان آخر، ولكن توقيع كلٍ من روسيا والصين عليها كان لافتاً للنظر، بل إن كثيراً من المعجلين وجدوا فيه نوعاً من التحالف المواجه للولايات المتحدة التي باسمها عقد الرئيس بايدن مؤتمراً عالمياً يقسم العالم إلى دول ديمقراطية ودول سلطوية، ولم تكن لا روسيا ولا الصين في الجانب الأول ولكنهما وقعا بامتياز في الجانب الثاني. ونتيجة هذا اللقاء، فإن التفسيرات الأولية للأزمة الروسية - الأوكرانية سرعان ما صفت روسيا والصين في صف واحد. ولكن الصين سرعان ما أدهشت الجميع عندما وقفت إلى جانب روسيا في موقفها من رفض توسعة حلف الأطلنطي لكي يشمل أوكرانيا، ورأت في ذلك موقفاً طبيعياً لدولة لا تريد تهديداً يمتد إلى حدودها؛ ولكنها في الوقت نفسه لم تكن تريد لأزمة الحشود الروسية أن تمتد لكي تكون أزمة عالمية في وقت يحتاج فيه العالم إلى مزيد من التعاون لمواجه الجائحة وأزمة الطاقة والتضخم وليس مزيداً من الشقاق. ولكن الأزمة السياسية للحشد العسكري الروسي انقلبت إلى أزمة عسكرية عندما بلغ الحشد مبلغه وقامت روسيا بغزو أوكرانيا. هنا بدأت المفارقة بين روسيا والصين؛ فالأخيرة كقوة اقتصادية عالمية ولديها أكثر الأعداد من بني البشر ترغب في عالم مستقر يسوده التعاون والوفاق. وفي مثل هذه النظرة، فإنه من الطبيعي أن ترفض الأحلاف العسكرية بما فيها حلف الأطلنطي بالطبع؛ ولكنه من غير الطبيعي أن يكون رفض حلف الأطلنطي سبباً لغزو أوكرانيا دونما محاولة كافية للتفاوض والبحث عن وسائل لتحقيق الأمن المشترك بدلاً من استخدام السلاح.
جاء موقف الصين بالامتناع عن التصويت في جلسة الأمن المخصصة لبحث «الأزمة الأوكرانية» مفاجئاً لكثيرين، ولكنه في الواقع معبراً بشكل دقيق عن وجهة النظر الصينية التي أوضح «وانغ يي» وزير خارجية الصين، أنها تتسق مع مبادئ الموقف الصيني في السياسة الخارجية، وأولها احترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي جميع الدول، وهو ما ينطبق أيضاً على القضية الأوكرانية. وثانيها تأييد الصين مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام والذي لا يجعل أمن أي دولة آتياً على حساب الإضرار بأمن الآخرين؛ وهو ما يجعل سعي حلف الأطلنطي بعد جولات خمس من التوسع أن يتوسع مرة أخرى مقترباً من الحدود الروسية. ولكن القضية من جانب آخر تورد ثالثها، وهي أن الصين «تتابع تطورات القضية الأوكرانية، والوضع الحالي هو شيء لا تريد للصين أن تراه». هنا تصبح «القضية» لها جوانبها الإنسانية التي تدعو الأطراف إلى منع خروج الأزمة عن السيطرة، والتفاوض من أجل حل الأزمة بحيث تكون أوكرانيا في النهاية جسراً للتواصل بين الشرق والغرب وليست خطاً للمواجهة بين الدول الكبرى. التوازن هنا دقيق بين الحقوق السيادية لأوكرانيا، والحقوق الأمنية لروسيا، بوضع كل ذلك ليس في المجال الخاص بكل دولة، وإنما في إطار من الأمن الإقليمي للقارة الأوروبية كلها. الموقف الصيني هنا حريص على ألا تكون الأمم المتحدة ومجلس الأمن مطية لأي طرف؛ لأن وظيفة مجلس الأمن ليس تأجيج الصراع وإنما حله؛ ولذلك تعارض الصين دائماً الاستشهاد عن عمد بالفصل السابع في قرارات المجلس للسماح باستخدام القوة والعقوبات.
كما يقال، إن ليلة «الأزمة الأوكرانية» لا تزال في أولها، وليس صحيحاً أن روسيا قد استنفدت كامل قوتها، ولا أوكرانيا كامل قدرتها على المقاومة، ولا الولايات المتحدة وحلفاؤها اعتصروا الاقتصاد الروسي بما فيه الكفاية؛ الصين وحدها تقف وسط كل ذلك تنتظر العالم أن يأتي إلى المملكة الوسطى لكي يشاهد نوعاً آخر من «القوى العظمي» يلائم القرن الواحد والعشرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين وشمسها الساطعة الصين وشمسها الساطعة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon