توقيت القاهرة المحلي 15:05:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورات الشتاء..!

  مصر اليوم -

ثورات الشتاء

بقلم - عبد المنعم سعيد

كانت المصادفة وحدها هى التى وضعت فى طريقى، قبل أيام، واحدًا من تلك الكتب عن الثورة، ولم يكن عن ثورة واحدة، وإنما فى كتاب تتجاوز صفحاته الألف، كانت هناك قائمة طويلة من الثورات التى جرت فى القرن الواحد والعشرين.

الكتاب حرره ثلاثة من المحررين- أندرى كورتاييف، وجاك جولد ستون، وليونيد جليفين- تحت عنوان «دليل الثورات فى القرن الواحد والعشرين» وعنوان تابع «الموجات الجديدة من الثورات، أسباب ونتائج قطع مسار التغيير السياسى».

الكتاب الصادر فى العام الماضى- ٢٠٢٢- عن دار نشر سويسرية، من نوعية الكتب الموسوعية، التى تتعامل مع ظاهرة الثورة مبدئيًّا من أجل المقارنة بثورات القرنين التاسع عشر والعشرين، تلك الثورات التى جرَت فى قرن هنا، وأخذت اسم «الربيع» المسجل بأسماء الزهور «الياسمين واللوتس» والألوان البرتقالية والبنفسجية، وهكذا تقسيمات.

ولم تكن هناك مصادفة أن ثورات «الربيع العربى» أخذت جزءًا محترمًا من المجلد، وكان طبيعيًّا أن يكون فى القلب منها ما جرى فى مصر فى مطلع العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين.

وتاريخيًّا كانت الثورات تحدث عادة فى شهر يوليو فى قلب الصيف القائظ، وأصبحت فجأة تحدث فى شهر يناير، حيث الشتاء القارس والزمهرير، الذى يلفح الوجوه.

والحقيقة أنه فى مصر لم يشهد شهر يناير ثورة واحدة تحتفى بوجودها الجماعة السياسية المصرية مدحًا وذمًّا اليوم بعد مرور دستة سنوات على حدوثها. كانت هناك ثورة أخرى جرت قبل ذلك، وربما لو قُدِّر لها النجاح لما كانت هناك ضرورة لما لحق من ثورات.

مضت أربعة وأربعون عامًا على وقوع هذا الحدث الهائل عندما خرج المصريون بمئات الألوف أو قيل بالملايين فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ احتجاجًا على ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن السلع التى لم يكن أحد ينتجها إلا الحكومة.

القصة ربما بدأت فى أكتوبر ١٩٧٣ حينما وجد الشعب المصرى أن بمقدوره أن يتجاوز هزيمة كبرى حفرت فى أعماقه إحساسًا بالمهانة، فإنه لم يقدر أن النتيجة حدثت بفعل عمل شاق وعرق غزير ودماء كثيرة.

كان ذلك ما أراده تحديدًا الرئيس أنور السادات عندما وضع سياسة الانفتاح الاقتصادى، التى لم تكن تعنى إلا الكثير من العمل، والكثير من الإنتاج والتصدير والانفتاح على عالم آخذ فى التقدم على جميع الجبهات.

علينا ألّا ننسى أنه فى عام ١٩٧٧ ومن بعده عام ١٩٧٨ كانت الأعوام التى اتخذت فيها الصين قرارًا مصيريًّا بأن تشمر عن ساعديها وتعمل بكل قوة أكثر مما تتكلم بكل حماسة الكتاب الأحمر، وكانت ذات الأعوام التى وُلدت فيها «النمور الآسيوية»، التى قررت فيها دول أن تعتمد على نفسها، وهو ذات القرار الذى لم تتأخر فيتنام ذاتها فى اللحاق به قبل نهاية القرن العشرين.

ضاعت الفرصة فى مصر، فى وقت بات العالم ينظر لها نظرة مختلفة عما كان يظنه فيها من قبل؛ ولم تتوقف السياسة التنموية فقط، وإنما لحقها اغتيال الرئيس السادات. وعلى مدى عقد كامل من ثمانينيات القرن العشرين، ظلت قصة ثورة الخبز وقتل رجل الحرب والسلام حاكمة وآمرة بإدارة الفقر، وتلافى الإصلاح الذى لا يأتى إلا بآلام كثيرة لا يريد أحد تحملها متصورًا أن الدول تتقدم من خلال ما يأتى إلى جيوب مواطنيها، وليس من خلال إقامة الصروح ونشر العمران وسهر الليالى للعمل والإبداع.

لم يكن مفهومًا ليس لماذا قام المصريون بثورة الخبز، وإنما لماذا سكتوا بعدها لعقد كامل، بينما العشوائيات تنتشر، والفكر السلفى يسود، ولماذا لم يعد السؤال: لماذا تخلفنا؟، مطروحًا، ولا تساءل أحد عن زيادة الإنتاجية للعامل ولا لرأس المال، وعندما نشبت ثورة يناير التالية فى ٢٠١١ فإن هذه الأسئلة لم تكن مطروحة.

كان الهتاف مطالبًا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولكن بعد ذلك لا شىء، وبقدر ما كان مطلوبًا زيادة الحد الأدنى للأجور، وتحديد الحد الأعلى للأجور مهما كانت الكفاءة والعلم والقدرة والمهارة والإبداع؛ فإنه لم تكن هاك إشارة واحدة للعمل ولا للإنتاجية.

كان لكل ذلك أن ينتظر حتى تأتى ثورة أخرى، فى يونيو ٢٠١٣ هذه المرة، وفيها ربما آلت إلى طريق يضع مصر فى طريق الصين وفيتنام ودول أخرى.

هذه قصة جديدة، وآفة حارتنا قد لا تكون فقط هى النسيان، وإنما أن نطرح الأسئلة: لماذا تخلفنا؟، ولماذا يستمر تخلفنا؟، وهل نريد لمصر حقًّا أن تكون قوية وعظيمة ومتقدمة، وتستحق منا الكثير من الجهد والتفكير والتجديد والتقييم لما حدث؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورات الشتاء ثورات الشتاء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon