توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى أصول التطور المصرى

  مصر اليوم -

فى أصول التطور المصرى

بقلم - عبد المنعم سعيد

أحيانًا تكون للمصادفات مجال فيما يواجهه الإنسان من مواقف، ومنها ماذا يقرأ وما الذى يضيف إليه من معارف تبدو أحيانًا فارقة. وقبل أسبوعين، نشرت فى هذا المقام مقالًا محتفيًا بكتاب الدبلوماسى جمال

أبوالحسن (٣٠٠ ألف عام من الخوف)؛ وقبل سنوات، كنت قد قرأت، وبعناية كبيرة، الكتب الثلاثة، التى نشرها فيلسوف التاريخ «يوفال نوح هرارى»، والتى تتابع تطور الإنسان فى ماضيه (البشر أو Sapiens)، وحاضره (٢١ سؤالًا إلى القرن الواحد والعشرين)، ومستقبله (Homo Deus). وكما ذكرت فى المقال، فقد كانت هذه الأعمال تنتمى من الناحية العلمية أو كما كان يقول عنها أستاذنا السيد ياسين «الأبستمولوجيا» أو المجال العلمى نظريًّا كان أو إمبريقيًّا إلى مدرسة «التاريخ الكبير Big History»، الذى ينظر فى تطور الكون، واكتساب الإنسان لملكاته وقدراته وإسهاماتها هذه فى تغيير العالم الذى نراه. الأخبار عن البحث الإنسانى للإجابة عن السؤالين الخالدين: من أينا أتينا، وإلى أين نذهب؟؛ كلها مُلِحّة، وتُظهر إلحاحه مع كل صورة جديدة تأتى من تليسكوب «جيمس ويب» حول اكتشاف أكوان جديدة كلما وصلنا إلى الكون الذى نعرفه.

وفى المقابل تتراكم المدهشات الكبرى من مستصغر «الجين» أو «الخلية» أو «الذرة» أو ما بداخل كل منها من قدرات مذهلة لكرات بيضاء وحمراء وإلكترونيات وفوتونات فى داخلها تفاعلات تجرى بسرعة «الفيمتو ثانية». كان أستاذنا أيضًا محمد سيد أحمد كثيرًا ما يتحدث عن العلاقة المعرفية ما بين «المتناهى فى الكبر» و«المتناهى فى الصغر» حيث التفاعل بينهما، وما يطرأ عليهما من تغيرات كمية سرعان- عند لحظة من التراكم- ما تكون تغيرات نوعية. لسنا هنا بصدد مراجعة أخرى للفلسفات الجدلية الهيجلية أو الماركسية أو عما إذا كانت نظرية «داروين» فى التطور حاكمة لفكرة التقدم الجوهرية أو أن حركة الإنسان والكون تسير فى أقدار وألواح محفوظة. مثل هذه المهمة أكبر بكثير من قدرات الكاتب، ولكن ما يهمه فيها هو هل يمكن أن تكون مفيدة للتطور المصرى فى وقت أزمة؟.

المصادفات وحدها هى التى أتت من خلال موقع «أكاديميا» بمبحث مهم تحت عنوان كبير «التاريخ الكبير والتطور الواسع»، ولحق بها «مبادئ التطور والآليات البيولوجية والمراحل الاجتماعية فى التاريخ الكبير» من تأليف ثلاثة من الباحثين: ليونيد جرينين، وأندريه كوروتاييف، وألكسندر ماركوف. وللحق، فإننى لم أكن أعرف أيًّا منهم، ربما لانشغالى بالحاضر أكثر من الماضى، أو بالسياسة المعاصرة أكثر منها بما مضى وفات أو ما سيأتى بعد ألف عام. المثير فى الموضوع هو تلك الرابطة ما بين قوانين وحركة الطبيعة وتطوراتها عبر ملايين السنين، والتطورات الجارية فى الظواهر الاجتماعية، التى يحدث فيها التطور من خلال كُتل لها ستة ملامح: القدرة على البقاء والتنظيم الذاتى، ودورة الحياة فى أجسام متنوعة، وقاعدة التطور فى الكتل المجمعة، والتطور اللامتساوى والطفرات الكارثية، والأجسام النمطية والأخرى الفريدة من نوعها، وإعادة تركيب أو دوران المادة فى الطبيعة.

مصر فى هذه الملامح مختلفة بشكل كبير، وجرى تراكمها الزمنى عبر عشرة آلاف عام، منها ٥٢٠٠ عام من التاريخ المسجل، ورغم تلك الأصالة، فإنها بعد ثلاثة آلاف عام من الوجود الذاتى إذا بها تبقى، بينما تتوالى عليها المحن وأشكال الهيمنة. وعندما تأتى إلى الحداثة فإنها لا تستقر على حال، ويبدو التطور ماضيًا بين حلقات من محاولة النهوض التى تتلوها مراحل للكساد والانطواء والإحباط، بينما العالم كله ينتقل من الآلة البخارية إلى ثورة الذكاء الاصطناعى.

آخر مراحل التطور المصرى فى التاريخ الكبير جاء منذ ثورة يونيو ٢٠١٣، ولكن التطور لا يأتى فجأة، فهو وفقًا لما سبق جزء من حلقات كانت متاحة، وربما لم يكتشفها أحد؛ ولا أحد يعلم ما كان مغروسًا فيها من زعقات للعودة إلى الخلف لكى تدور الحلقة كما كانت تدور من قبل. المدهش أنه توجد فى مصر عشرات الجامعات وأقسام الاجتماع وعلم النفس والتاريخ بكافة طبقاته، ولكن النفَس فى كثير من الأوقات ضيق، ومغلق على أفكار محدودة، ومراحل لا يراها أحد جرت قبل مائتى عام، وربما كانت كامنة فى ألف قبلها. وفى وقت أزمة اقتصادية موجعة، فإن الخروج منها لا يكون إلا بالحفاظ على القدرة وقوة الدفع، والاستعداد للطفرة، والمضى فى بناء ما أتى من خلال عيون خبيرة بأن ما يحدث الآن هو جزء من تاريخ كبير يحتاج من المصريين استجماع أمواجهم، وفرد أشرعتهم، لكى تَعبَّ فيها رياح التقدم. هذه المرة اللهم لا تراجع!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى أصول التطور المصرى فى أصول التطور المصرى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon