توقيت القاهرة المحلي 06:24:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دفاعاً عن مصر وتونس

  مصر اليوم -

دفاعاً عن مصر وتونس

بقلم :عبد المنعم سعيد

القرارات التصحيحية الأخيرة لمسار الدولة التونسية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، فتحت الباب لهجمات سياسية وإعلامية شديدة الحماس والعدوانية من الدوائر التي تدعي «الليبرالية» في شمال أميركا وغرب أوروبا.
هذه القرارات جرى اتخاذها وفقاً للدستور التونسي والمادة 80 منه، التي تعطي رئيس الدولة سلطات استثنائية في اللحظات الحرجة التي تهدد الدولة. وكانت اللحظة حرجة واستثنائية بكل المقاييس، فقد خرج الشعب التونسي بأعداد غفيرة، رافضاً الأوضاع القائمة التي أدت إلى حالة أولاً سياسية حرجة نتيجة التردد وضعف القدرة على الحكم واتخاذ القرارات المهمة والصعبة، خصوصاً فيما يتعرض بإدارة أزمة «كورونا»، التي هددت الجماهير التونسية بجائحة لم تعرف بها من قبل. وثانياً، وهو ما كان أقدم زمناً وأكثر أثراً حينما ظهر انعدام القدرة على إدارة الاقتصاد التونسي وإصلاحه إلى حيث يقدم معدلاً معقولاً للنمو. ما حدث كان العكس تماماً، حيث تراجع الإنتاج والخدمات، وتنامت البطالة، وتدهور مستوى معيشة التونسيين. كان واضحاً أن النظام السياسي التونسي بشكله الحالي لم يستطع أن يحقق مطالب الشعب التونسي التي خرج من أجلها في ثورته في مطلع العقد الماضي. الحالة هذه جعلت تونس تعيش حالات من الأزمات الاقتصادية المتتابعة التي عجزت الحكومات عن التعامل عنها نتيجة النفوذ المهيمن لحزب «النهضة» الإخواني. وثالثاً أن انحرافاً حاداً حدث في التقاليد التاريخية المدنية للشعب التونسي، وما حققه من تحديث وتنمية منذ الاستقلال.
العكس تماماً حدث فقد جرى الانحراف نحو اليمين الديني الذي ولد شغفاً لدى شريحة الشباب التي تربت في أحضان «حزب النهضة»، للحاق بالتنظيمات الإرهابية حتى باتت تونس مصدراً أساسياً للدعم البشري لها. كان واضحاً وجود خلل كبير ترتب على الأوضاع التي أعطت لـ«حزب النهضة» مكانة لا يستحقها في البناء السياسي، واستخدمها ليس في بناء تونس، وإنما عملياً في هدمها من خلال تجاوز سلطات رئيس الدولة بالقيام بمهام دولية في العلاقات التركية التونسية. والواقع أن الحزب مثله في ذلك مثل كافة أحزاب «الإخوان المسلمين»، لم يكن لديه برنامج حقيقي للإصلاح والتنمية والتقدم.
الهجمة التي قامت على قرارات الرئيس التونسي بإصلاح الخلل الجاري في الدوائر الغربية طالت ليس تونس وحدها، ولكنها ما لبثت أن نقلت الهجوم إلى مصر باعتبارها النموذج الذي تسير في أثره التجربة التونسية، ثم بعد ذلك أخذت في طريقها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارهما الدولتين اللتين كان لمساعدتهما أثر كبير في تجاوز المحنة «الإخوانية» في مصر في السابق وتونس الآن. لم تكن هناك ملاحظة على حالة الوباء في تونس، ولا الأوضاع الاقتصادية، ولا العجز الحكومي، ولا حركة الجماهير التونسية التي قدمت تأييداً كاسحاً لقرارات الرئيس المنتخب قيس سعيد. لم يكن لا في هذه الصحف، ولا في مراكز البحوث السياسية، الأميركية تحديداً، ما يكشف ذلك الخلل في البناء السياسي الذي يقيم نظاماً برلمانياً يستخدم فيه الدين لتضليل الجماهير والحصول على السلطة، لكي تستخدم للهيمنة والسيطرة من قبل منظمة غيبية وإرهابية، ولا يتماشى وجودها مع العصر الحديث، وهي تعيش طوال الوقت في العصور الوسطى. الأخطر أنه ما بات معلوماً الآن من قدرات الحكم الضعيفة لـ«الإخوان المسلمين» وأمثالهم من التنظيمات السياسية الدينية، سواء كان ذلك في مصر أو في تونس أو في إيران أو أفغانستان في السابق، كل ذلك لم يؤدِ إلى رفع قدرات المعرفة الحقيقية بحركة «الإخوان المسلمين».
الهجمة من بعض الجهات الإعلامية الغربية الجارية قامت على ثلاث أقدام: أولها أنه قد جرى تهديد للديمقراطية في تونس التي باتت التجسيد الحي والمتبقي من «الربيع العربي» المأسوف عليه. ثانياً أن من وقع عليه الظلم لم يكن على الجماهير التونسية، وحقها في الحياة والتقدم، وإنما جماعة «الإخوان»، المعتبرة إرهابية في كثير من بلدان العالم، التي يسود ظن مأفون أنها ليبرالية ومعتدلة وديمقراطية أيضاً! وثالثاً أن ما يجري في تونس هو المقدمة لتصدير الحالة المصرية غير الليبرالية وغير الديمقراطية، التي يجري تصويرها على أنها حالة من الخوف والعوز والحاجة. الأقدام الثلاث بها عجز معلوماتي ومعرفي، والأهم أخلاقي، لأن فيها رائحة «إخوانية» عفنة.
والحقيقة أنه سواء كان الحدث في مصر أو في تونس، فإن النفاق يقوم على اعتبارها حالة من المباريات السياسية أو البرامج التلفزيونية للمسابقات التي كلما جرى الإمعان فيها زادت جوائزها وجاذبيتها. هنا لا يوجد أن الأساس في النظم السياسية والديمقراطية منها هو تحقيق التقدم للدولة والأمة في ظل معارف عقلية وثقافات تقوم على العمل والإنتاج والاعتراف بالآخر؛ وليس استخداماً للخصوصية في القمع والتخلف.
ما حدث في تونس كان ممارسة عملية للديمقراطية أمام نظام سياسي كان يأخذ الدولة كلها إلى الهاوية في التعامل مع الوباء والاقتصاد والثقافة العامة. وإذا كانت التجربة المصرية تعطي دروساً مهمة، فهي أن البرنامج الوطني للتقدم يسير على قدم وساق وبسرعات غير مسبوقة، وهو ما تشهد عليه المؤسسات الدولية العامة والخاصة.
والحقيقة هي أن ما حدث في مصر في 30 يونيو (حزيران) 2013 كان بادرة لبعث الإصلاح، وبسرعات لم تحدث من قبل. وإذا كان «الربيع العربي» قد سلم الدول العربية لجماعة «الإخوان» وتابعيها، وقادت إلى العنف والإرهاب والفوضى والحروب الأهلية، فإن الإصلاح كان المقدمة لعصر عربي مختلف عن كل سابقيه. ولا يقل عن ذلك أهمية أن التجربة أثبتت وجوداً حقيقياً للرابطة العربية التي إذا عرفت كيف تتعامل مع خلافاتها، فإنها في الواقع تقدم إنقاذاً حقيقياً للدولة العربية. حدث ذلك مع مصر، والآن يجري مع تونس، وإذا قام البصر والبصيرة العربية بدورهما، فإن هناك واجباً قومياً ووطنياً لإنقاذ اليمن ولبنان وسوريا والعراق وليبيا. ومرة أخرى، فإن الخروج الأميركي من المنطقة لا يعني وجود فراغ استراتيجي، ولا يعني أن يصير العرب لقمة سائغة لقوى إقليمية متوحشة، وإنما هو اختبار آخر لدعم تيار التقدم العربي في المنطقة الذي نجح نجاحاً كبيراً في السابق، وبعون الطاقات الجبارة في الشعب التونسي الشقيق، فإنه سوف ينجح في تونس. هي معركة ليس فقط لتصحيح ما جرى في «الربيع» المزعوم الذي لم يثمر لا زهرة ولا نسمة ولا ثمرة، وإنما لأخذ الأمة كلها إلى الأمام في مشروع وطني وقومي مرموق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفاعاً عن مصر وتونس دفاعاً عن مصر وتونس



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon