توقيت القاهرة المحلي 15:05:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

٣٠٠٠٠٠ عام من الخوف

  مصر اليوم -

٣٠٠٠٠٠ عام من الخوف

بقلم - عبد المنعم سعيد

كتاب الدبلوماسى جمال أبوالحسن «٣٠٠٠٠٠ عام من الخوف، قصة البشر من بداية الكون إلى التوحيد» كان من أفضل ما قرأت باللغة العربية خلال العام المنصرم ٢٠٢٢.

الكتاب- على خلاف ما ذاع في عروض نهاية العام التلفزيونية- ليس مجموعة من المراسلات ما بين الكاتب وابنته «ليلى»، بينما كلاهما تحت العزل إبان «جائحة» الكورونا.

والقصص كما نعلم نوعان: ما يسمى Fiction، الذي يقوم على خيال الكاتب، الذي يخترع كل ما فيه من تفاعلات وأحداث وحب وغرام وحزن وسرور؛ وما يُقال عنه nonfiction، وهو الذي يقوم على الحقائق من أحداث وأمور حقيقية يمكن رصدها والتحقق منها، ويجرى تداولها في مجالس العلم والمعرفة، ومن الناحية الحرفية هي نوع من الاستقصاء.

إلى هذا النوع الأخير ينتمى كتابنا، والمراسلات الواقعة فيه لا تتعدى صفحة في كل فصل تُطرح فيها الأسئلة التي في ذهن المؤلف على لسان ابنته.

المرجح في هذا المنهج أن المؤلف يريد لنا، القراء، أن نفيق من ذهول الفصل السابق، ونعود حتى ولو للحظات قليلة إلى الواقع الذي نعيش فيه، فلعلنا نستوعب ما ذُكر في الصفحات السابقة.

من ناحية أخرى، فإن الكتاب ينتمى إلى عائلة ما يسمى «التاريخ الكبير Big History»، الذي يقدم فرصة فريدة للتعرف على تطور الكون كعملية واحدة تطورت منذ البداية عبر مليارات السنين من البداية الأولى، المعروفة بالانفجار الكبير حتى فهم ما هو واقع الآن، ومنه إلى المستقبل القريب لكى نعرف الحالة الحالية للإنسان، الذي جاء إلينا من خلال عملية منظمة للأمر مادة كان أو فكرًا.

في هذا التاريخ يجرى تعقب منظم للقوانين والمبادئ، التي جرى على أساسها التغيير من نقطة زمنية إلى أخرى، من حيث الطاقة والتعقيد والوظائف وعملية التفاعل بين كل ذلك معًا، بحيث نصل إلى الأنماط الحاكمة فيها.

بشكل كبير، فإن الفكرة في أصولها تنتمى إلى نظرية «داروين» في التطور والاختيار الطبيعيين؛ ولكن في الكتاب لا نستبعد لحظات فارقة من الإلهام، والتى ربما كانت هي اللحظة التي علم فيها الله سبحانه وتعالى الإنسان- أو آدم- «الأسماء كلها»، التي تشكل مفاتيح تنقل الإنسان من حالة إلى أخرى.

هذه يسميها مؤلفنا «الأكواد» أو اكتشاف شفرة مفيدة تبدأ بالشفرة الأبجدية، التي يسبقها مباشرة كون الإنسان كباقى أركان المملكة الحيوانية يصدر أصواتًا نابعة من غرائز طبيعية من خوف الطبيعة ذاتها أو الخوف ممن هم أكثر شراسة أو التنافس على الغذاء أو التكاثر الجنسى.

لحظة الإلهام هنا هو بداية التواصل حينما يُطلق على «الشجرة» اسم يجرى التوافق عليه، بحيث تصير حقيقة موضوعية تسمى هكذا من قِبَل مجموعة من البشر، وبعد ذلك تنفرج عنها أسماء لأنواع وثمار.

«شفرة الأبجدية» جعلت التواصل بين البشر ممكنًا، وباختصار، وُجدت الجماعة البشرية.

وبمثل هذا المنطق توجد «شفرة العدد»، فالأرقام من صفر إلى ٩ لا تعنى شيئًا في حد ذاتها إلا عندما نتحدث عن تفاحة واحدة، أو تفاحتين، وساعتها يكون للرقم والعدد معنى.

وهكذا تكبر الجماعة من ناحية، وتزداد قدراتها أو طاقتها من ناحية أخرى، ومع كل شفرة يجرى فك أسرارها وتطويعها، تتصاعد وسائل توافق الجماعة من دفن الموتى إلى الحرب.

«الثورة الزراعية» عبرت عن حالة قصوى من الشفرات، التي فضّت وجلبت طاقات جبارة لتنظيم عمليات الغذاء والرى وإقامة إمبراطوريات كبرى.

الكتاب في عمومه متأثر بمدرسة التاريخ الكبير، وأشهر أسمائها الآن هو كتاب فيلسوف التاريخ «يوفال نوح هرارى»، الذي أصدر ثلاثة كتب تتابع تطور الإنسان في ماضيه (البشر أو Sapiens)، وحاضره (٢١ سؤالًا إلى القرن الواحد والعشرين)، ومستقبله (Homo Deus)؛ ولكن صاحبنا لم يأخذ هذا المنهج، فهو يقسم التاريخ منذ البداية حتى ظهور رسائل التوحيد الثلاثة، (اليهودية والمسيحية والإسلام)، التي ربما بفعل درجة النضج الإنسانى بين عام ٥٠٠ قبل الميلاد و٥٠٠ تقريبًا بعده، تزاملت مع الأفكار التي قدمها كونفوشيوس في الصين وبوذا في الهند وسقراط في اليونان.

القلب الفكرى لهذه الرسائل كان معنيًّا بالدفع بالإنسان إلى محطة جديدة في تاريخه، عندها اكتملت البشرية كعالم واحد، لا تختص به جماعة بشرية بعينها، وإنما تتواصل أفكارها وبركاتها إلى أركان المعمورة، فاتحة الأبواب لظهور الثورة الصناعية وما تبعها من تاريخ.

توقف الكتاب عند الرسالات السماوية، والأفكار الفلسفية، واقعية (كونفوشيوس) كانت، أو مثالية (بوذا)، أو ثورية (سقراط)، ولكنها جميعها باتت تخاطب عالمًا واحدًا ممتلئًا بطاقات جبارة، هو العالم الذي نعرفه الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

٣٠٠٠٠٠ عام من الخوف ٣٠٠٠٠٠ عام من الخوف



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon