توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دفاع عن الفنون والإعلام

  مصر اليوم -

دفاع عن الفنون والإعلام

بقلم - عبد المنعم سعيد

أصبحت الفنون والإعلام واقعتين فى قفص الاتهام كلما حلت مصيبة أو جرَت مناقشة حول الفقر أو العنف الإرهابى أو الأسرى أو الزيادة السكانية أو ضيق العقل والحال. وتتراوح دائمًا قائمة الاتهام ما بين الإهمال والتقصير، وحتى المشاركة فى تنمية العقلية العنيفة وتزيين الخطيئة وازدراء الأديان وتدهور الأخلاق.

وهناك ما هو أكثر. يحدث ذلك فى حياتنا العامة، ولا بأس أبدًا أن تجرى هذه الاتهامات، بينما نمارس مشاهدة مباريات كرة القدم التى تأتى من بلدان بعيدة، أو نشاهد فيلمًا ما لم نجده على منافذنا الإعلامية، فنبحث عنه فى قنوات أخرى مشفرة أو غير مشفرة.

الحقيقة هى أن الإنسان لا يستطيع التخلى عن الإعلام ولا عن الفنون المختلفة لأن فيها وظائف تقوم بها ولا يستطيع الإنسان العيش بدونها لأنها باتت من الاستخدامات المنزلية ومن مستلزمات الحضارة.

منذ أن بدأت خطوات الإنسان الأولى فإنه أخذ فى خط الخطوط على جدران الكهوف، التى عاش فيها بعيدًا عن وحوش ضارية وعالم قاسٍ بالعواصف والرعود.

كانت الطبيعة فيها الكثير الذى يعطى الإلهام.. دقات المطر كان فيها الانتظام والتسارع والتباطؤ، الذى ينتهى إلى الصحو والشمس الساطعة. هذا المشهد بما فيه من صوت وصورة كان كافيًا لكى يبدأ فيه الإنسان الرسم، وربما بدأ دقات من نوع أو آخر. ولكن المرأة كانت دومًا هى القاسم المشترك الأعظم فى كل الكهوف، وفى أوقات لم تكن سهلة أبدًا، أصبح البقاء، ومن ثَمَّ التكاثر، هو أكثر الأمور الحميمية اللازمة للإنسان.

خرج الإنسان من الكهف فى النهاية، وباتت الرؤى والأصوات والرموز تربط جماعة إنسانية، ومنها تولدت حضارات عريقة. كل ما عرفته البشرية من حضارات كان لها فى الرسم والموسيقى، ومن الأولى خرجت التماثيل والمعابد والمسلات.

ومن الثانية جاءت السيمفونيات والأوبرا والأغانى الرومانسية، حتى الروك والراب وأنواع أخرى كثيرة. وبين هذا وذاك تولدت فنون المسرح والسينما والتلفزيون، ومؤخرًا أشكال مختلفة من اليوتيوب.

الإشكالية ربما المتولدة عن ذلك كله تنجم من شعور الإنسان بضعف السيطرة على أدوات الفنون والإعلام ومدى تأثيرها الحديث على سلوكيات البشر.

ورغم أنه بمقدور الإنسان دائمًا أن يبتعد عن كليهما، أو يغلق التلفاز، أو يضغط على زر الريموت كونترول لكى يغادر القناة، فإنه دائمًا يجد فى السخط والشكوى ملاذًا من المسؤولية الشخصية.

خلال مناقشات جرَت مؤخرًا فى مجلس الشيوخ المصرى حول «العنف الأسرى»، ألقى كثيرون من النواب المسؤولية ليس فقط على الفنون العامة والإعلام المتاح، وإنما امتد الأمر إلى لعب الأطفال، التى تشجع على العنف وإلى الشبكات التلفزيونية الأجنبية التى تبث أفلامًا للرعب والجريمة.

التصور هنا أن الإنسان دائمًا هو ضحية لأشكال مختلفة من الإغراء واللذة لا يلبث أن ينْجَرَّ إليها، فيكون الفشل الأخلاقى المروع. هنا فإن التوازنات الاجتماعية تختفى، وهى التى تبث من الأسرة والعائلة والجيرة والصداقة والمدارس والجامعات والجوامع والكنائس.

والتى وظائفها الأساسية أن تخلق موانع للشرور المختلفة. ازدياد فاعلية الفنون والإعلام ليس شهادة لها لأن وظيفتها هى الشهادة على الحالة الإنسانية، بينما هذه الأخيرة تلقى المسؤولية الأخلاقية على ما يغذيه المجتمع للفرد والجماعة.

فالحقيقة هى أنه بشكل ما أصبحت الفنون جزءًا من الهوية، ومع تراكم التراث التاريخى ومعماره، فإن إدراك الذات ومميزاتها وتفوقها أو انسحاقها مدعاة لأشكال كثيرة من البحث عن الخلود الفنى فى الأشعار أو التماثيل أو رسوم المعابد أو فى الأوبرا. تولد عن «الإلياذة» الكثير من الحديث عن البطولة، وأصبحت الأساطير جزءًا من الديانة، وفى معظمها كان هناك الكثير من الفروسية والتضحية.

والفنون، ومن ضمنها الآداب وكل ما جاد به خيال، كانت موحدة للأمم، ولكنها كانت مُفرِّقة بينهم، حيث كانت الملاحم قادمة من انتصارات وهزائم سابقة. ولكن داخل الفن نفسه كانت هناك معارك أولًا بين ما هو حقيقى وعاكس للواقع، وما هو خيالى أو مجرد؛ وثانيًا بين ما هو راقٍ أو سامٍ وذلك الذى يُعد مبتذلًا.

النتيجة دائمًا فيها الكثير من الخلاف، ولا تحسم هذه المعارك قط، وفى كثير من الأحيان فإنها تظهر فى الملابس وأثاث البيوت وتخطيط الأحياء والمدن والطرق.

وما جعل الفنون الشعبية أكثر انتشارًا مما كان عليه الحال من قبل هو أن العصر بات زمن التواصل الاجتماعى، حيث بات ممكنًا لملايين من الجماعة الإنسانية أن يقرروا الذوق العام- وليس رواد المسرح أو قاعات السينما أو حتى الحفلات الغنائية- وأن يقرروا النوعية التى يريدون مشاهدتها أو الاستماع إليها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفاع عن الفنون والإعلام دفاع عن الفنون والإعلام



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon