توقيت القاهرة المحلي 00:11:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشابهات تاريخية

  مصر اليوم -

مشابهات تاريخية

بقلم - عبد المنعم سعيد

تُستخدم المتشابهات التاريخية للمقارنة بين حادثة واقعة وأخرى جرَت منذ زمن علّها تجعلنا أشد تفهمًا لواقعنا. هى وسيلة من وسائل التحليل، وبما أنه لا يمكن فهم الوقائع من خلال جعلها أمورًا تجريبية يمكننا أن نجربها مع تغير ظروفها؛ فإن استدعاء التاريخ يصبح الوسيلة الوحيدة، التى ربما تعطينا ضوءًا إضافيًّا على ما يجرى. حرب غزة الخامسة كانت آخر الحوادث الكبرى، التى أتت على سبيل المفاجأة التى لم يتوقعها أحد؛ وعندما وقعت جرَت المقارنة فى الدوائر الغربية بين ما حدث فى السابع من أكتوبر الماضى عندما شنّت «حماس» هجومًا اخترقت فيه الحاجز الإسرائيلى بينها وبين القطاع، ومن بعدها هاجمت مستعمرات ومدنًا إسرائيلية فى «غلاف غزة»، أى المساحة المحيطة بالقطاع، وكانت النتيجة 1400 ضحية و240 مختطفًا.

المفاجأة كانت استراتيجية لأنها لم يكن متصورًا حدوثها لدى الدوائر العسكرية الإسرائيلية، التى كان واضحًا أنها كانت فى حالة استرخاء شديد. تسبب ذلك فى زلزال داخل إسرائيل يماثل الزلزال الذى جرى فى الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب هجمات «القاعدة» على برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومعهما مبنى وزارة الدفاع فى الحادى عشر من سبتمبر 2001. فى العالم العربى كانت المفاجأة مماثلة لتلك التى جرَت فى 6 أكتوبر 1973 عندما جرَت واحدة من أهم المفاجآت الاستراتيجية فى التاريخ العسكرى. بالطبع، فإنه كان فى الحالتين 11 سبتمبر و6 أكتوبر مفارقات عدة فى الظروف التاريخية التى وقعت فيها والنتائج التى ترتبت عليها، ولكن الفائدة جاءت من أن «المفاجأة» كان لها وقعها الذى جعل جمع المحللين يرون أن عالم ما بعدها لن يكون كما كان قبلها. التغيير هنا هو نقطة المشابهة الأصلية، ولكن ما سوف يحدث بعد ذلك لا يمكن الحصول عليه من أخذ منحنى الأحداث على امتداده فى الزمن، حيث المتغيرات كثيرة وعديدة فى الثقل والنوع.

نفس الواقعة- حرب غزة الخامسة- بعد أن تعدّت المفاجأة، بدأت أكثر الهجمات الإسرائيلية كثافة؛ تمامًا كما فعلت ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية لقصف لندن قصفًا مركزًا. هو استخدام جرى من قبل بهدف التدمير الشامل من خلال القوة الجوية، بحيث يؤدى إلى خفض الروح المعنوية؛ وفى الواقع أن ذلك لم يحدث فى لندن ولا فى غزة؛ ولكن ربما كانت له نتيجة أخرى أسرعت بنهاية الحرب عندما جرى قصف مدينة «درسدن» الألمانية، وعندما أُلقيت القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكى. ما حدث فى غزة هو وقوع ما يزيد على 11 ألفًا من الضحايا، ومضاعفات ذلك من الجرحى وتدمير 246 ألف وحدة سكنية تمثل 45٪ من وحدات السكن فى القطاع، ولا يزال العدّ مستمرًّا.

آخر الحسابات التاريخية لحرب غزة الخامسة لا تقارنها بحروب غزة الأربع السابقة، ربما لأنه لا يوجد وجه للمقارنة فى الكثافة والعنف؛ وإنما تقارنها بحرب لبنان عام 1982 عندما جرَت نفس دورة المواجهة العسكرية بين فصائل فلسطينية وإسرائيل، فقامت الأخيرة بشن هجوم شامل على لبنان، واحتلت الجنوب، حتى وصلت إلى بيروت، وجاءت الخاتمة بمذبحة صبرا وشاتيلا. الحرب الحالية وجدت مذابحها فى القتل البطىء للجرحى وأطفال الحضّانات، الذين حُرموا من الغذاء والأكسجين، بينما يلفظون أنفاسهم الأخيرة. ولكن إذا كانت حرب لبنان لا تقدم مشابهة العنف، فإنها تقدم مشابهة الحلول المقترحة لأن منظمة التحرير الفلسطينية وقتها وزعيمها ياسر عرفات وجدا أن إنقاذ لبنان والفلسطينيين سوف يكون من خلال الخروج إلى تونس. ومَن قالوا بهذه المشابهة يرون الحل فى خروج حماس من غزة إلى إيران أو قطر، حيث يوجد التأييد والمدد، وبعدها يمكن حدوث ما حدث من قبل مرات عديدة تلتئم فيها جراح غزة والفلسطينيين.

ولكن المشابهة فى النتيجة لعلها تعطى معنى آخر، وهو أنه من الممكن الرحيل إلى تونس، والابتعاد آلاف الأميال، ولكن ذلك لا يمنع نشوب الانتفاضة الأولى التى كانت سلمية، ثم الثانية التى باتت عسكرية، وفى الواقع أن ما يجرى حاليًا فى الضفة الغربية يوحى بأن معركة أخرى سوف تولد من رحم المعركة الحالية، بحيث تُذكرنا بقانون أساسى، وهو أن ثورة الفلسطينيين من أجل الدولة باقية، قد تتوقف، ولكن نارها باقية دومًا تحت الرماد تستعد لكى تستعر من جديد. المعضلة الإسرائيلية، وكذلك إشكالية المحللين للوقائع التاريخية، هى عدم إدراك القانون الأساسى الذى يجعل السلام لا يُقام إلا إذا كانت هناك دولتان، وأن المعارك العسكرية قد تفرز انتصارات مؤقتة، ولكن النصر الدائم يأتى مع السلام الذى هو أيضًا له مشابهات تاريخية عديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشابهات تاريخية مشابهات تاريخية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:33 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - محمود حميدة يتسلم جائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان الجونة

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 03:26 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

عقار من سم العنكبوت لعلاج تلف النوبة القلبية

GMT 12:51 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

كيكة الشوكولاتة

GMT 21:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على الفرق الـ "الأربعة" المتأهلة إلى كأس العالم للأندية

GMT 11:36 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يكشف الاستاد الأقرب لاستضافة نهائي كأس مصر

GMT 10:23 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسوان يسافر إلى الإسماعيلية استعدادًا لمواجهة الدراويش

GMT 13:14 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة دبي تتراجع بنسبة 0.93% بجلسة الأحد

GMT 17:39 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا تسجل 14 وفاة و 3157 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 19:04 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم السبت ٣ تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 01:04 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

170 جنيها ثمن لقاح تطعيم الإنفلونزا الموسمية

GMT 10:45 2020 السبت ,08 آب / أغسطس

تعرف على العمر الحقيقي ليسرا اللوزي

GMT 06:06 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

اكتشاف سلالة جديدة من إنفلونزا الخنازيرفي الصين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon