توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في مواجهة التصعيد!

  مصر اليوم -

في مواجهة التصعيد

بقلم: عبد المنعم سعيد

بينما كان العالم كله يشاهد دراما الحياة السياسية الأميركية، من محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى إصابة الرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن بفيروس «كورونا» التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ دافعة إلى خروج الرئيس من السباق الانتخابي، ودعوة نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى حمل الشعلة الديمقراطية في الانتخابات القادمة؛ جرت تفاصيل كثيرة منذ هذا الوقت، لكن ما كان يجري في الشرق الأوسط لم يكن يقل أهمية وخطورة؛ وباختصار: أصبحت ما كانت تسمَّى «حرب غزة الخامسة»، حرباً إقليمية واسعة النطاق. أصبح «التصعيد» هو مفتاح الموقف على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، حيث تصاعد القصف المتبادل مع ازدياد قدرات «حزب الله» على ضرب منشآت إسرائيلية؛ وفي المقابل فإنه فيما يبدو أن إسرائيل نجحت في اختراق الحزب، ونجم عنه عمليات اغتيال منظمة لقادة عسكريين في الحزب، وكذلك من التابعين لـ«حماس».

كذلك، فإن جماعة «أنصار الله» الحوثية التي استقرت على قصف السفن في البحر الأحمر، تجاريةً أم غير تجارية، مدّت قصفها إلى البحر الأبيض من خلال المُسيّرات، وبعد ذلك قصفت مدينة تل أبيب الساحلية؛ ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة أربعة آخرين.

لم يمضِ وقت كثير حتى كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف ميناء الحديدة، مستهدفة فيه مخازن ومصانع تكرير النفط؛ وهو ما كان كافياً لخلق غلالة من النيران الكثيفة، التي قال عنها الإعلام الإسرائيلي إنها تريد أن توجه رسالة لمن يرى ويسمع في المنطقة. وقت كتابة هذا المقال كان المتحدث باسم الحوثيين قد أعلن عن عزم جماعته على التصعيد فوق التصعيد.

العملية باختصار لم تعد كما كانت قبل أشهر، عندما جرى التنظيم الأميركي لمواجهة غارة إيرانية بالصواريخ والمُسيّرات، انتقاماً لمقتل أحد قيادات «الحرس الثوري» في القنصلية الإيرانية بدمشق؛ على أن تقوم إسرائيل بغارة مقابلة. كان ذلك كافياً لإرضاء الطرفين ووقف التصعيد عند هذا الحد؛ لكن واقع الحرب كان أكثر تعقيداً من ذلك. أصبح الآن في مقدور الأطراف المتصادمة أن تستمر في التصعيد؛ فمن ناحية هناك الأوضاع الداخلية لكل طرف، حيث المشاعر في أكثر درجاتها سخونة؛ وهناك الرغبة في إرضاء غرائز دينية تضع الجنة أمام أعين الشهداء. من ناحية أخرى، إن الرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر باتت مستحكمة، وهناك غرام كبير بخلق حالة من الردع لدى الطرف الآخر؛ وجوهرها أن تخلق حالة من الخوف من الأذى لدى الطرف الآخر، فلا يكرر فعله. لكن الواقع أن الردع في دائرة الكراهية غير فعال، حينما تبدو الخسائر في الأرواح والمنشآت غير ذي بال أو تقدير؛ وبدلاً منه يزيد التركيز على إمكانات النصر الذي دائماً ما يكون في أفق ليس ببعيد، حتى ولو لم تثبت التجربة أنه لا يوجد هناك إلا السراب.

المعضلة التي تقع فيها الدول الإصلاحية في المنطقة، حيث معسكر التنمية والبناء، وأضافت إليه المملكة العربية السعودية الترفيه أيضاً، حيث لا يكتمل الرخاء من دون نفسٍ مترعة بالرضا والسمو؛ هذه الدول لا تواجه فقط معسكراً متفلتاً للمقاومة والممانعة، ولا تشغله قضية بناء الأوطان وإقامة الدول، لكنها تواجه جماعات مفككة وتشكيل ميليشيات مسلحة تقوم في فوضاها بتمثيل الدول والقضايا الكبرى من دون استشارة أهلها أو معرفة مصير مواطنيها وأنصارها. التصعيد والتصعيد المضاد هو حالة من الانفلات في الأمن الإقليمي تجعل الإقليم كله معرَّضاً لأخطار بالغة؛ وإذا كانت الحرائق تأتي من مستصغر الشرر، فإنه في الشرق الأوسط لا يوجد شرر وإنما نار ولهب. المسألة التي تبدو جلية هي أن التصعيد عملية تقوم على الفعل ورد الفعل، وعندما تكون من أطراف معادية بالمعنى «الوجودي» للكلمة فإنها تسير في مسار لا يشبع من التدمير. مدرسة العنف الشرق أوسطية لم تخلق حالة القتل الجماعي التي مارستها إسرائيل في غزة، لكنها جرت بإفراط في سوريا، حيث تجاوز القتلى والجرحى ستمائة ألف ومعهم 14 مليوناً من اللاجئين والنازحين؛ والآن فإن أرقاماً مماثلة تبزغ فيما يخص السودان. والعجب، أن السودانيين يشعرون بتفرقة عنصرية لأن الاهتمام بمصابهم لا يماثل المصاب الفلسطيني.

هذه الحالة من المواجهة لن تكفيها تدخلات دولية من الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية؛ ولن يوفيها حقها انتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، أو خلق الدول العظمى توافقاً دولياً لمنع العنف في الشرق الأوسط. هذه المنطقة، كما حدث في كثير من مناطق العالم هي التي عليها أن تدبر أمرها بحيث تواجه العنف كما واجهت الإرهاب من قبل من خلال ائتلاف عربي إصلاحي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مواجهة التصعيد في مواجهة التصعيد



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon