توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاغتيال... وشرخ البناء الديمقراطي

  مصر اليوم -

الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي

بقلم: عبد المنعم سعيد

أظن أن القارئ قد تشبّع بتفاصيل محاولة الاغتيال للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ومرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. المؤكد أن معلومات كثيرة أُتيحت عن تاريخ الاغتيالات في الولايات المتحدة من أول إبراهام لينكولن بعد انتصاره في الحرب الأهلية، وحتى الرئيس جون كيندي وأخيه المرشح الرئاسي روبرت كيندي بعد ذلك بقرابة مائة عام.

محاولات الاغتيال كذلك وردت بتفاصيلها السياسية مثل تلك التي تعرّض لها جيرالد فورد، وتلك التي كان محتواها عاطفياً عندما قام جون هينكلي جونيور بإطلاق 6 رصاصات باتجاه الرئيس رونالد ريغان؛ لأنه اعتقد بأن ذلك سوف يثير اهتمام الممثلة جودي فوستر التي أحبها حباً جمّاً. في كل ذلك كان الحدث هو البطل بحيث يصلح بامتياز للأفلام التلفزيونية ولكن ما كان يصلح في السياسة، كما جاء في تعليقات عشرات من الساسة الأميركيين والأوروبيين الذين أصروا على أن العنف لا يليق بالبلدان الديمقراطية. هنا كان النظام فيه من الكمال ما يكفي لكي يستبعد القتل، أو محاولته، وذلك حتى ولو كان الدستور الأميركي يقضي صراحةً بحق حمل السلاح للمواطنين بوصف ذلك الضمانةَ ضد الطغيان، والحق في الثورة المسلحة إذا ما طغى الحاكم وتجبَّر. إشكالية السلاح والديمقراطية لم تناقش أبداً بشكل جدي، وما بقي منها هو محاولات تقييدها بالعلاج النفسي لأنه - كما قيل - السلاح نفسه لا يقتل وإنما إنسان مريض. الأدب حاول حلّ المعضلة من خلال البطولة التي جعلت رواية ستيفن كينغ «22 نوفمبر 63» - هذا هو اسم الرواية - تقضي بأن يعود مسافر عبر الزمن يحاول منع حادث اغتيال كيندي.

ما ظلّت غائبةً تماماً هي علاقة السلاح بالنظام الديمقراطي، حيث إن الدولة تعني في جوهرها الاحتكار الشرعي لحمل السلاح من ناحية، وسيادة القانون من ناحية أخرى، وأن الانتخابات سوف تكفل دائماً الاختيار للمجتمع وليس شخصاً بعينه من ناحية ثالثة. ما حاوله توماس ماثيو كروكس من قتل المرشح الجمهوري دونالد ترمب كان نوعاً من «المُربِكات» للعملية الديمقراطية في أساسها. المدهش هنا أن ذلك هو الذي قام به الرئيس ترمب ليس فقط خلال فترة رئاسته وإنما فيما بعدها أيضاً، بل مع نية ليست مبيتة لإرباكها أكثر ممَّا هي كذلك. جوهر الإرباك هو أن الأصل في الديمقراطية هو التوازن والمنافسة بين المؤسسات والسلطات لخلق الاتزان الذي يكفل مصالح المواطنين.

ترمب جعل الحزب الجمهوري حزباً شخصياً أكثر منه حزباً سياسياً، وأحدث خللاً دائماً في التوازن بين السلطات عندما جعل المحكمة الدستورية العليا احتكاراً على المحافظين (6 إلى 3) بصفة شبه دائمة، وعندما وضع النظام الانتخابي كله موضع الشك، عندما ضغط على العاملين في ولاية جورجيا للتزوير بإضافة أصوات لصالحه، بينما يشكك في نزاهة الانتخابات كلها بتأثير الديمقراطيين. وأكثر من ذلك فإن ترمب كان جاهزاً للتمرد المسلح عندما شجّع وحرّض للهجوم على الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

لا يغني عن كل ذلك أن كثيراً من أوجه الخلل هذه تقف الآن أمام المحاكم الأميركية، تختلط فيها السياسة مع الأفلام الإباحية وأمور أخلاقية أخرى جرت، بينما ترتفع نسبة التأييد للمرشح المتهم في استطلاعات الرأي العام. هنا نصل إلى نقطة أخرى جوهرية في أزمة الديمقراطية، وتلك الأميركية بشكل خاص، حيث إن النظام الديمقراطي يفترض حالةً من الحكمة الجماعية لدى الشعوب في اختيار مَن يقودها ويمثلها أمام العالم، وهي حالة قابلة للتصحيح في الانتخابات التالية إذا ما ضلّت الأولى عن الصواب. هذا المأزق يجري الآن، فقد اختار الشعب الأميركي الحكيم ترمب، وعندما ضلّ وعجز عن حماية البلاد من جائحة الوباء جرت الإطاحة به وانتُخب بايدن بدلاً منه، والآن فإن الاستطلاعات، ورغم أحكام المحاكم، تشير إلى أن الشعب يتهيأ لانتخاب ترمب مرة أخرى. لم تعد السياسة اختياراً ما بين أحزاب وبرامج ومصالح واضحة وناصعة، ورعاية من مؤسسات تنقي وتفرز وتبحث وتناقش وتحاور. أصبحت العملية الديمقراطية فريسة لحالة من «الشعبوية» يكون فيها الاختيار بين أفراد شيوخ في الحقيقة نجحوا في إقناع أحزابهم بأنه لا بديل لهم، وليس لديهم إلا أمراض الشيخوخة التي لا ترى في بديلها إلا الفاشية، أو أمراض النرجسية التي تعد وتتوعد بالانتقام من كل الخصوم فور توليهم الحكم دون اعتراض ولا مخاصمة داخل الحزب أو خارجه. ما دفع توماس ماثيو كروكس إلى محاولة اغتيال ترمب لم يكن معلوماً وقت كتابة هذا المقال؛ ولكن المؤكد أنه سوف يصلح لفيلم مثير آخر!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon