توقيت القاهرة المحلي 06:28:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المحتوى وثورة مصر الثانية!

  مصر اليوم -

المحتوى وثورة مصر الثانية

بقلم: عبد المنعم سعيد

يقال فى الفلسفة إن التطورات الكمية تتحول عند تراكمها وزيادة كثافتها وسرعتها فى تحقيق أهدافها إلى تغيرات نوعية تجعل ما سوف يأتى يختلف عما فات. فى علوم التطور يقال عن ذلك «طفرة»، وفى العلوم الإنسانية يقال عنه «ثورة»، وفى الزمن هى اللحظة التى يتغير فيها الإنسان من التخلف والتقدم، والمحلية إلى العالمية، والتنوير فى الفكر بدلا من الظلام. خلال المرحلة الراهنة بعد ثورة ٣٠ يونيو يجرى الحديث عن «بناء الإنسان»، ويقال ذلك من رئيس الدولة والحكومة، والدعاة على المنابر، والأساتذة فى المدارس والجامعات. التطور الكمى جرى فى تثبيت أركان الدولة، والشروع فى إصلاح البنية الأساسية والتوسع العمرانى بأكثر مما قدر فعله فى المراحل السابقة. الأرضية التى نبتت منها القصة تعود مع كاتب السطور إلى ٩ فبراير ٢٠١٧ عندما انعقدت الندوة التثقيفية للقوات المسلحة وكنت متحدثا فيها. كانت المهمة وقتها هى كيف يمكن للبلاد أن تواجه أهل الشر وحملاتهم الإعلامية والسياسية التى تتوازى مع حرب إرهابية ضروس سقط فيها الشهداء والجرحى؟ قام الجيش وقوات الأمن بواجبهم فى المواجهة المادية بالنار واللهب، لكن كانت القضية متعلقة بالوعى وتجديد الفكر الدينى فى معركة ضرورية لضمان الاستدامة. وقبل أن يمر عام على الندوة كان الإرهاب العنيف قد تم القضاء عليه وإغراق وسد أنفاقه على الحدود المصرية مع غزة..

وبينما كان الحديث فى الندوة يدور حول مواجهة الحملات الشرسة للإخوان المسلمين على الداخل المصرى فإنه بعد القضاء عليهم وفروعهم فى الداخل، فإن هجماتهم الإعلامية تزايدت واضطردت بأدوات مختلفة صحفية وتليفزيونية وإلكترونية. بلغ أعداء ثورة يونيو تحالفا ضم جماعات مختلفة يمينا ويسارا، وجدت فى أدوات التواصل الاجتماعى وسيلة ليس فقط للتواصل، وإنما لبث الفتنة والشك والإحباط.

وُلد المشروع الوطنى المصرى مع ثورة يونيو ٢٠١٣، وكرد فعل لما أدت إليه أحداث يناير ٢٠١١، بدءا من هيمنة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابى على السلطة السياسية، وما تبعه من تعرض البلاد لأخطار اقتصادية واجتماعية وأمنية بالغة. ومع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يونيو ٢٠١٤ بدأت عملية بلورة هذا المشروع الوطنى. وثائقيا تمت ترجمة هذا التوجه الإصلاحى فى دستور ٢٠١٤، ثم فى رؤية مصر ٢٠٣٠، ومجموعة الوثائق المهمة الصادرة خلال السنوات الأخيرة (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، سياسة ملكية الدولة، وغيرها). وعمليا، نجحت مصر فى تحقيق مجموعة من الإنجازات المهمة، واعتبارا من العام المالى ٢٠١٤/ ٢٠١٥ وحتى العام المالى الحالى ٢٠٢٤/٢٠٢٣ لم يحدث فى أى عام إلا أن مصر حققت نموا إيجابيا، وبلغ الناتج المحلى الإجمالى ضعف ما كان عليه خلال نقطة البداية وتضاعف العمران المصرى. أضف إلى ذلك إطلاق حزمة المشروعات القومية التنموية، وبرنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى فى عام ٢٠١٦.

الفلسفة التى قام عليها المشروع الوطنى جاءت من حقيقة أنه خلال العقدين الأخيرين نجح ملياران من البشر، معظمهم من الصين والهند، فى العبور من الفقر إلى الطبقة الوسطى. ولم يجر ذلك دونما تحمل تكاليف الانتقال والتنمية.

لقد انطلق المشروع الوطنى المصرى من خلال محركات قوامها تغيير الجغرافيا التنموية المصرية من النهر إلى البحر، واختراق الإقليم المصرى من سيناء إلى الصحراء الغربية، وإدارة الثروات المصرية الكبيرة وليس إدارة الفقر، والتنمية من أجل التصدير اعتمادا على قطاعات الاقتصاد الحقيقى، الزراعة والصناعة، والخدمات. ويجرى كل ذلك أيضا من خلال دولة وطنية يعيش فيها مواطنون متساوون فى الحقوق، وتطور حقيقى فى الفكر المدنى، مع بناء قاعدة تعليمية وعلمية ترفع من قدرات التنمية المصرية إلى آفاق جديدة.

الحملات التى تعرض لها المشروع أخذت شكل التراكم الكمى الكبير والكثيف الذى لا يطرح مشروعا وطنيا آخر، وإنما فى إنكار الحاجة المصرية إلى كل ما تحقق، ونحت الليبراليون تعبير «فقه الأولويات» دون تحديد بدائل شاملة، وإنما طرحوا ما هو معروف بالبديهة وهو تطوير التعليم والصحة. الطرح لم يكن شاملا ولا كان مدركا لحقائق الزيادة السكانية التى بلغت خلال عشر سنوات عشرين مليون نسمة وما أضيف لهم من لاجئين ومهاجرين. باختصار ونتيجة الظروف الاستثنائية التى تولدت عن الحرب الإرهابية جائحة الكورونا والحرب الأوكرانية، ومؤخرا حرب غزة فإن الأزمة المالية التى تولدت عنها فى شكل التضخم والغلاء وارتفاع الأسعار خلقت لحظة انكشاف للاستياء العام. باتت هناك فجوة قابلة للاتساع ما بين الرأى العام والمشروع الوطنى المصرى.

الخطأ لم يكن فقط فى المعلومات والمعرفة بأصول التفكير فى المشروع، والتعرف على القائمين عليه والمفكرين له وخطوات التحرك فيه تجاه الأهداف المباشرة لخدمة كافة أنحاء القطر المصرى. وإنما يكون الخطأ الأكبر ناتجا فى عدم استغلال المصريين للمشروعات القائمة والإقبال عليها. إن التحول المصرى الذى خلق العمران من نهر النيل إلى البحر سواء كان الأبيض أو الأحمر، وقريبا حول خليجى السويس والعقبة فى سيناء، لن يكتمل ما لم ينتقل إليه البشر المصرى.وهنا تحديدا توجد الحاجة إلى الإعلام المصرى لكى يرتبط عضويا بعملية التنمية بحيث يعلم ويشرح ويحفز «تشغيل التغيير» الذى جرى فى مصر، وعلى سبيل المثال فإن رئيس الدولة والحكومة لا يكفان الحديث عن القطاع الخاصة والاستثمارات الخاصة من الداخل والخارج. ومع ذلك وبعد الإشارة إلى التصريحات فإن الصمت يصبح مدويا دون إشارة أو علامة أو مناقشة أو حوار أو عرض لمحتوى التجارب المماثلة. تكثيف المحتوى العلمى، فضلا عن نشر التفكير العلمى، بات من احتياجات مصر الأساسية.

أحد العوامل المهمة التى تقف وراء ضرورة تطوير المحتوى بالمؤسسات الصحفية القومية، وفى مقدمتها مؤسسة الأهرام، هو الحاجة إلى تعزيز دور الصحافة، ودور الإعلام بشكل عام، فى اتجاه دعم المشروع الوطنى المصرى.

نحن بحاجة إلى صحافة تقف وراء هذا المشروع الكبير، تتوافق مع لغته ومع أولوياته، ومع أدواته أيضا. وعلى الرغم من الاهتمام الذى توليه الصحافة القومية بالمشروع الوطنى، لكن المعالجات الصحفية مازالت تعانى من الضعف والقصور، وعدم فهم فلسفة هذا المشروع، وأبعاده المختلفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المحتوى وثورة مصر الثانية المحتوى وثورة مصر الثانية



GMT 08:19 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 07:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 07:28 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 07:26 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 07:24 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 07:23 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 08:38 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس
  مصر اليوم - تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 22:40 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»
  مصر اليوم - روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon