توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست؟!

  مصر اليوم -

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست

بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك دائما أسباب كافية للحديث عن دور الفرد فى التاريخ، ولكن ما شاع فى العلوم السياسية والاجتماعية عامة كان أن الظروف الدولية فى الخارج والقوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الداخل كانت لها النصيب الأوفى فى العصر الحديث كمحددات للتطور التاريخى للأمم. ورغم ذلك فإن هناك أفرادا لا يمكن تجاهل أن ما فعلوه شكل تاريخا للدول التى قادوها، ومن بعدهم تغير العالم كله. والآن فإن ميخائيل سيرغيفيتش جورباتشوف ذهب إلى خالقه عن عمر ناهز واحدا وتسعين عاما، وهو الذى كان آخر حكام الاتحاد السوفيتى (١٩٨٥-١٩٩١). وكان السؤال الذى ثار دائما عما إذا كانت الدولة السوفيتية قد تآكلت قبل توليه الحكم بما يكفى لانهيارها، وأن الرجل حاول إنقاذ الإمبراطورية الاشتراكية من خلال دعوته إلى الإصلاح وإعادة بناء الدولة أو ما سمى البريسترويكا فى الداخل، والانفتاح على العالم أو الجلاسنوست فى الخارج. أو أن ما فعله كان هو الذى قوض الدولة، وفض اتحادها، وأدى إلى إذلالها وتراجع مقامها ودعوتها الاشتراكية التى كانت موجهة للعالم أجمع، وظلت منافسة عالميا للدعوة الرأسمالية الغربية طوال العقود الأربعة التى تلت الحرب العالمية الثانية. إلى وجهة النظر الأخيرة هذه ينحاز الرئيس الروسى الحالى فلاديمير بوتين وروسيا القيصرية هى أصله وفصله وجوهره التاريخى، أعاد التذكير أن انهيار الاتحاد السوفيتى لم يكن نتيجة التآكل الداخلى وإنما بسبب مؤامرات داخلية وخارجية على الدولة العظمى فى العالم. هل كان جورباتشوف هو المقصود من هذه المراجعة الروسية لتاريخ تلك المرحلة المفصلية ما بين روسيا الاشتراكية، والاتحاد الروسي؛ أو ما بين الحرب الباردة ونهايتها بالسقوط المدوى للاتحاد السوفيتى الذى يبدو أن العالم يشهد الآن لحظة الانتقام لذلك الذى ولى وراح؟

الحقيقة هى أنه لا توجد إجابات شافية، والتجربة الشخصية تشهد بأن النخبة الفكرية العربية أو بعضا منها فى مركز دراسات الوحدة العربية عانت من محاولة الإجابة عن هذا السؤال. البداية كانت فى واحد من أكبر المشروعات البحثية العربية فى الثمانينيات وأكثرها طموحا والتى جرت تحت عنوان استشراف مستقبل الوطن العربى من خلال سيناريوهات مشتقة من المدى الذى يمكن أن يصل له العرب فى التكامل والوحدة. ولما كان ضروريا لخدمة أغراض البحث أن يجرى التعرف على مستقبل النظام العالمى الذى سوف تتغير فيه الأوضاع العربية، فقد تم تكليفى بإعداد ورقة خلفية عن كيف سيكون حال العالم. الورقة التى صارت فيما بعد كتابا تحت عنوان العرب ومستقبل النظام العالمى وصدر فى أغسطس ١٩٨٧، أسفرت عن أنه رغم التقدم الذى حققه الاتحاد السوفيتى خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، فإنه مع السبعينيات وما مر وقتها من الثمانينيات شهد تراجعا هائلا فى القوة العسكرية والصناعية السوفيتية مقارنا بتلك الغربية بقيادة الولايات المتحدة. كانت الثورة التكنولوجية الثالثة قد بزغت شمسها فى أمريكا، بينما كان الأفول والغروب جاريا فى موسكو حيث الثورة الصناعية الثانية لم تعد قادرة على تحقيق التكافؤ مع العالم الغربى. الحزب الشيوعى السوفيتى لم يعد قادرا على إنتاج قيادات تتمتع بالحيوية، بينما كانت الولايات المتحدة التى هزمت فى فيتنام ودمرت رئاستها فضيحة ووترجيت قادرة على استعادة عنفوانها والدخول إلى نهايات القرن العشرين بحيوية فائقة. كان اختيار جورباتشوف نوعا من الصيحة الأخيرة لإنقاذ دولة عظمى من أمراض الشيخوخة التى لم تلم بقياداتها فقط وإنما فى عروقها أيضا.

الجدير بالذكر هنا أن الخلاصة التى توصلت لها الورقة كانت أن الاتحاد السوفيتى بات من الزاوية الإنتاجية والفكرية والتكنولوجية واقعا فى صفوف دول العالم الثالث وهو ما قد يقود إلى وحدانية القطبية فى النظام الدولى. المدهش أن اللجنة المشرفة على البحث رأت فى ذلك نوعا من التحيز وقتها لمصلحة التجربة الغربية مما استدعى عقد اجتماع شامل لمناقشة البحث الذى كانت نتائجه غير متوافقة مع التفكير العربى العام. وكانت النتيجة هى عقد اجتماع شامل للخبراء والمستشارين فى مقر المركز فى القاهرة، وبعد نقاش مطول، وتقدير للجهد المبذول، كان ضروريا إضافة جزء مهم تحت عنوان تحفظات واجبة أضافت أن هناك احتمالا لحدوث عملية إصلاح جوهرية فى الاتحاد السوفيتى تؤدى إلى وقف التراجع الجارى. كان ظهور جورباتشوف فى مركز القيادة السوفيتية مبشرا لكثيرين ارتاعوا من فكرة الهيمنة الأمريكية على العالم، وأنه من الممكن أن تعود الأيام إلى سيرتها الطيبة الأولى حيث يقوم العالم على قطبين متنافسين، يكفى تنافسهما الدول الأصغر لكى تستفيد.

ما حدث كان أن مشروع جورباتشوف كان ماء النار الذى فك مفاصل الاتحاد السوفيتى. وعندما زرت موسكو لأول وآخر مرة فى ٢٤ أكتوبر ١٩٩١، كان واضحا أن لحظة الأفول قد لاحت، وغروب شمس دولة قد حانت ولم يبق إلا أسابيع على نهاية الدولة. وهو ما حدث خلال شهر ديسمبر عندما جرت محاولة انقلاب عسكرى كان كافيا لمواجهتها أن يقوم بوريس يلتسين بالإعلان عن خروج روسيا من الاتحاد السوفيتى مؤكدا القومية والوطنية الروسية وبدء تاريخ جديد لروسيا والعالم. ورغم أن يلتسين كان أحد الذين ناصروا جورباتشوف فى بداية عهده، فإنه سرعان ما أخذ موقع المعارضة لتوجهاته الإصلاحية التى كانت أقل مما هو واجب، لكى يبدأ عهدا جديدا كان واقفا فى ظلاله فلاديمير بوتين الذى شاهد الانهيار الكبير. بعد عقد آخر استدعى يلتسين بوتين لكى يبدأ فصلا جديدا من التاريخ الروسى يقوم على استعادة أمجاد قديمة للدولة من خلال محاولة أخرى لمراجعة وتصحيح التاريخ. هل يمكن التساؤل بعد ذلك عما إذا كان للأفراد دور فى التاريخ أم لا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon