بقلم: عبد المنعم سعيد
الأصل في الحروب أنها بعد الكر والفر، والتقدم والانسحاب، والقتل والتفاوض، والنصر والهزيمة، تصل في النهاية إلى طريق مسدود، أو يستسلم طرف لصالح الطرف الآخر. في التاريخ القديم كانت الحروب تستمر حقباً، وما بعد القرون الوسطى عرفت أوروبا حرب المائة عام، والثلاثين عاماً؛ وفي القرن الماضي عرفنا حربين عالميتين، دُمرت فيهما القارة الأوروبية، وفي الثانية استُخدمت القنبلة الذرية لأول وآخر مرة في التاريخ.
المدهش بعد ذلك، أن القنبلة ذاتها باتت سبباً في أن تكون الحرب «باردة» لا قتل فيها ولا تدمير، وإنما ردع متبادل لأسلحة الدمار الشامل. ولكن على الرغم من كل هذا التاريخ، فإن هناك عجلة في وضع نهايات الحروب الحديثة، الأوكرانية في أوروبا، وغزة في الشرق الأوسط.
العجلة ربما ناجمة عن أن الحربين تحتويان على إمكانات واسعة للتوسع والامتداد إلى القارة الأوروبية كلها، أو لمنطقة الشرق الأوسط بما فيه من عرب وعجم. ولكن ذلك ليس كافياً، وهناك درجة من التسليم بأن الأمور تسير في أعنتها؛ لأنه باختصار بات صعباً التحكم فيها، فحرب غزة تتقيح؛ وحرب لبنان تزداد سخونة، على الرغم من أن «حزب الله» يحاول خلق حالة من الردع المتبادل من خلال الكشف عن مُسيَّرات تلتقط صوراً لمواقع حيوية في إسرائيل، وفي حالة المواجهة فإن التدمير لن يلُمَّ بيروت والمدن اللبنانية فقط، وإنما سوف يصل إلى حيفا وما بينها وبين الحدود مع لبنان، من مدن وتجمعات وبنية أساسية. حرب البحر الأحمر دخلت مرحلة جديدة بعد أن بدأت القاذفات الأميركية والبريطانية تتجاوز مرحلة الدفاع والحماية للسفن إلى مرحلة أخرى تدخل إلى الحُديدة وما وراءها من أراضٍ حوثية.
الغريب أن أطراف هذه الحروب، على الرغم من الاستمرار في القتل، فإنها في الوقت ذاته تتقاتل داخلها في سابقة ليست متكررة، فالأصل أن الجبهات الداخلية تتحد في ساعة المواجهة مع أطراف خارجية. ولكن الساحة في إسرائيل ليست متماسكة على الإطلاق، ليس فقط نتيجة انهيار «وزارة الحرب» بخروج بيني غانتس منها، وإنما الأمر أعقد من ذلك، حتى بين أكثر القوى تشدداً. الأحزاب المتعصبة للحرب بقيادة بن غفير وسموتريتش تضغط على حلق نتنياهو؛ وحزب «شاس» الديني طرح حرباً أخرى بين الدولة الإسرائيلية ودولة الحاخامات. انقسامات الأولوية للمخطوفين أم لتدمير «حماس» والحصول على «النصر التام» لا تزال قائمة، ولها انعكاساتها في المظاهرات وفي صفوف الجيش وأجهزة الأمن والدفاع التي لا تنقسم حول القضايا السابقة فقط، وإنما فوقها حول ما إذا كان ضرورياً استمرار حرب غزة، أو أنه آن أوان شن الحرب على الجبهة اللبنانية.
ما نراه في إسرائيل له مثيله على الجانب الفلسطيني، فالشُّقة بين «حماس» و«فتح» تتسع، والاتهامات بينهما تتصاعد، وفي العموم فإنه لم يعد معلوماً بعد شن حرب غزة الخامسة من الذي يمثل الفلسطينيين في الحرب أو في التفاوض، وهل هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أم لحاملي السلاح والبارود وحق القتل للإسرائيليين والفلسطينيين ساعة الاختلاف؟
الولايات المتحدة التي تتعامل عسكرياً على جبهتين: الحرب الروسية الأوكرانية التي تنوب فيها أوكرانيا عن الغرب؛ وحرب غزة التي تنوب فيها إسرائيل عن الغرب أيضاً، مصممة على تحقيق مصالحها الضيقة في التوسع والتدمير، وليس المصالح العليا لواشنطن في الشرق الأوسط.
جدول أعمال أميركا هذا الصيف مزدحم للغاية؛ دورية «ذا هيل» التي تصدر عن الكونغرس الأميركي أحياناً ما تخرج عن تحليلاتها لأمور يهتم بها المجلس التشريعي الأميركي بغرفتيه، إلى سرد أمور حياتية لها علاقة بالسياسة، مثل جدول الأعمال الذي سوف يشغل أميركا خلال شهور الصيف. 5 قضايا مهمة سوف تشغل الرأي العام؛ وكل واحدة منها فيها قدر من الغموض. أولها المناظرة الرئاسية التي استقر عليها المرشحان للرئاسة: جوزيف بايدن ودونالد ترمب، بعد جهد ورفض الموضوع من قِبل الحملة الانتخابية لكليهما. وثانيها تسمية مرشحي الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» للرئاسة من قبل المؤتمر العام للحزب، وهو إجراء سوف يكون على سبيل تحصيل الحاصل، وسوف يقرر نائب ترمب. وثالثها الحكم القضائي على الرئيس السابق ترمب، وقضاياه كثيرة، ونجل الرئيس الحالي هنتر بايدن، وقضاياه أيضاً كثيرة. ورابعها الانتخابات التمهيدية لمرشحي مجلسي النواب والشيوخ، فتتضح الصورة السياسية الكاملة للحزبين مع الانتخابات الرئاسية. وخامسها أن لكل انتخابات نوعاً ما من المفاجآت التي تؤثر على النتائج؛ وعندما يكون اليقين غائباً فإن المفاجأة تزداد أهميتها، هي في صميم الغيب الآن ومع الزمن تأتي. وسط كل هذا الزحام: هل يمكن فتح أبواب السلام أم أن القضية مؤجلة؟