توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحرير رغيف الخبز!

  مصر اليوم -

تحرير رغيف الخبز

بقلم - عبد المنعم سعيد

ما إن تفتح موضوع دعم رغيف العيش، إلا وسوف تستمع إلى محاضرة طويلة حول مركزية رغيف «العيش» للإنسان المصرى، الذى كما هى العادة فى مثل هذه الأمور يصير حالة خاصة، لا تسبقه سابقة، ولا تلحقه لاحقة. سوف يتم التأكيد على أن «العيش» كرغيف يعنى «الحياة» بالنسبة للمصريين؛ ولا بأس من طرح حكمة تقول «عض جيبى ولا تعض رغيفى». وفى كل الأحوال لن يكون المستمع مستعدًا للتساؤل عما إذا كانت هناك دول أخرى فى العالم تتبنى مثل النظام الذى اتبعناه لأن المقاطعة فى الكلام سوف تأتى بأن المصريين، وخاصة فى هذا الموضوع، لا يشبههم شعب آخر. وبغض النظر عن التفاصيل والألفاظ المستخدمة، فإن خطاب رغيف العيش لن يختلف أبدًا عن الخطب السابقة فى كثير من الموضوعات التى شكّل فيها المصريون حالة استثنائية، من أول نسبة النصف فى المائة للعمال والفلاحين فى المجالس المنتخبة، وامتحانات الثانوية العامة، وتعدد أسعار صرف الجنيه، وإيجارات المساكن القديمة وغيرها من أمور تركز على أن ما يسرى على كل شعوب الأرض لا يسرى علينا. كانت النتيجة دائمًا هى أن تبقى الأمور على ما هى عليه، أو هكذا يريد القوم لأن هناك خوفًا قوميًا من المجهول والجديد ومن تبعية لعالم مختلف إما متخلفًا عنّا ولا نريد الهبوط إلى هاويته، أو راقيًا بالنسبة لنا يرتفع حتى يخدش وجه السماء، وهو فى هذه الحالة ليس منّا.

 

مثل هذا الخطاب يتضمن دائمًا نوعًا من التهديد الخفى بأن التغيير سوف يعنى نتائج وخيمة على صاحب الاقتراح والدولة فى مجموعها، ولا بأس هنا من التذكير بمظاهرات الخبز التى جرت فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧.

الحقيقة هى أنه مهما كانت «الخصوصية» التى يجرى الحديث عنها، فإن الواقع المصرى قد تغير عن هذه الحالة الاستثنائية المفروضة على شعب مصر. تجربة السنوات الثمانى الماضية تشهد أنه من الممكن أن تكون العملة المصرية مثل كل العملات الأخرى فى العالم، وأن الإنسان المصرى ليس مغرمًا كثيرًا بالعشوائيات وأنه يمكن أن يعيش فى مناطق حديثة ورحبة، وهو ممتعض امتعاضًا شديدًا من نظام الثانوية العامة ولذلك يبحث لأولاده عن نظم أخرى، كما أنه قام باختراع وسائل خاصة لتملُّك السكن جعلت فى بر مصر ملايين الشقق الجديدة. التجربة التى عشناها خلال هذه الفترة تقدم الشهادة على أن المصريين يريدون أن يكونوا جزءًا من عصرهم، يستلهمون روح التقدم من حيث تأتى مع ثقة كافية فى النفس تجعلهم يعرفون أن بصمتهم التاريخية سوف تظل لامعة. وجزء من هذا العصر يعرفه المصريون جيدًا، وهو أنه منذ وحّد «مينا نارمر» القطرين، وربما قبل ذلك بآلاف السنين، عرف المصريون أنواعًا كثيرة من الخبز، صنعوه كثيرًا من الشعير، ومن الذرة، ومن القمح؛ وخلقوا منها أشكالًا رائعة من «البتاو» و«العيش الشمسى» ورقائق الخبز التى تؤكل مسكرة ومالحة. قبل تأميم الخبز وتولى الدولة أمره فى عقد الستينيات من القرن العشرين، ومنذ فجر التاريخ، ظل الخبز قضية عائلية تخص الأسرة المصرية. الأكبر عمرًا من المصريين يعرفون جيدًا كيف كانت تُدار عملية «الخبز» و«الخبيز» فى مصر، وكيف كانت خلطة الدقيق مع الخميرة تعطى من رائحة زكية وشبع. ومَن عاشوا فى الريف المصرى خلال الخمسينيات يعرفون جيدًا أن رحلة رغيف الخبز كانت تبدأ من الحقول عندما يتم جنى الذرة أو القمح، ويجرى غسله، ثم بعد ذلك يذهب إلى المطاحن التى كانت قريبة، ثم يخرج منها وقد جرى تصنيفه أنواعًا ممتدة من الأكثر بياضًا حتى «الردّة»، وكلها كانت لها أشكالها من الخبز والحلوى.

 

 

فى حديث قريب لدولة رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولى، شارحًا تمويل عمليات التنمية الجارية، أوضح أنه عندما تم رفع دعم الطاقة جرى توفير ١٣٠ مليار جنيه ذهبت جميعها إلى المشروعات التنموية المصرية.

كان الاختيار هنا هو مستقبل مصر كدولة قوية وعفِيّة ومتقدمة وعصرية بدلًا من راحة مؤقتة لنفط رخيص على المواطن، ولكنه يُبقى كل الأمور على ما هى عليه من فقر. ذات الأمر حدث فى مجالات شتى، فلم يكن مشروع قناة السويس الجديدة واكتتاب المصريين فيه لصالح زيادة تنافسية القناة فقط، وإنما تنمية محور القناة كله، ولا تحتاج البرهنة على ذلك أكثر من زيارة لمنطقة على بُعد ساعة واحدة من القاهرة. تحرير رغيف الخبز من التحكم الحكومى هو تحرير للاقتصاد المصرى وإطلاق للطاقات الكامنة فيه كما حدث حتى الآن فى كل عملية تحرير للثروات المصرية نقوم بها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحرير رغيف الخبز تحرير رغيف الخبز



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon