بقلم: عبد المنعم سعيد
تاريخيا كان منصب نائب الرئيس الأمريكى أن يقوم بواجبات العزاء عند انشغال الرئيس؛ وأن يصبح رئيسا بعد وفاته. بعضهم خالف ذلك اعتمادا على ثقة الرئيس مثل هارى ترومان أو ظهرت مواهبه بعد موته مثل ليندون جونسون. كامالا هاريس تأتى فى ظل ظروف مغايرة جرى فيها الانقسام الفكرى الأمريكى بين «العولمة» و«ضد العولمة»، والجغرافى بين الولايات الزرقاء والأخرى الحمراء، والسياسى بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى بعد أن أصبح الأخير مطية الرئيس الأسبق ترامب. نجح الديمقراطيون فى 2020 فى الالتفاف حول أحد شيوخهم «جوزيف بايدن» لكى يمكن الفوز؛ وعندما نجح فإن «الترامبية» حتمت التمرد لرفض نتائج الانتخابات، والهجوم على الكونجرس لمنع التصديق على النتيجة. حاول بايدن قدر الإمكان العودة مرة أخرى إلى مسار أوباما بالانسحاب من أفغانستان والشرق الأوسط فى الخارج وتفعيل الاقتصاد الأمريكى فى الداخل لكى يتجاوز جائحة «كوفيد». ولكن ترامب على الجانب الآخر استولى تماما على إرادة الحزب الجمهوري، وعندما عاد إلى تجربة أخرى للانتخابات الرئاسية حاول تعظيم الاستفادة من محاولة اغتيال، وكسب مناظرة مع بايدن الذى بلغ به السن مبلغه.
مرة أخرى فعلها الديمقراطيون الذين نجحوا أولا فى دفع بايدن للتخلى عن الترشح للرئاسة؛ وثانيا فى مبايعة كامالا هاريس نائبة الرئيس لكى تقود الحزب فى المرحلة الانتخابية المقبلة. شكل ذلك انقلابا فى التوازن السياسى الأمريكي، وبعد أن مالت الكفة لصالح ترامب بعد المناظرة ومحاولة الاغتيال والالتفاف الجمهورى حوله فى مؤتمر الحزب الذى بايعه بالإجماع؛ فإن الكفة باتت تميل إلى المرشحة الديمقراطية التى كسرت حاجز السن الذى كان سلبيا فى حالة بايدن، ولكى يصبح لصالحها. وبشكل ما فإن هاريس ظهرت ليست مجسدة للإجماع الديمقراطى فقط وإنما ظهرت عنوانا للوحدة الأمريكية التى تؤكد وحدة العرق الإنسانى الذى جاء فى إعلان الاستقلال. باختصار فإن هاريس أعادت الذكرى إلى الالتفاف الذى جرى وقت انتخاب أوباما ولكن فى عصر آخر.
نقلا عن الأهرام