توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحديات أزمات كونية وإقليمية مركبة

  مصر اليوم -

تحديات أزمات كونية وإقليمية مركبة

بقلم - عبد المنعم سعيد

لا بد من أن كثيرين في منطقتنا العربية تعرضوا لنوبة عصبية حينما تصاعدت أحداث العنف في «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد. لم يكن هناك وقت طويل قد مضى حينما بدأت أحداث عنف أخرى في العاصمة الليبية طرابلس. وسواء كانت الحال في لبنان أو سوريا أو اليمن أو بصورة دورية في غزة الفلسطينية، فإن العنف يأتي بأشكال مركبة مستمدة من الماضي، ومنذرة بكوارث في المستقبل.
الجوار القريب المحيط في كل الاتجاهات، والمشتعل بنار لم يهدأ أوارها منذ عقود حتى الآن، والمعقد بفعل انقسامات طائفية وعرقية، وميليشيات منحرفة ومحترفة، يوجد وسط أزمات كوكبية ودولية تراكم بعضها فوق بعض. والآن أصبح العالم يواجه حزمتين من الأزمات: إحداهما أزمة كونية تتعلق بالبقاء أو الفناء، وتتجلى بوضوح في الأوبئة وظاهرة الاحتباس الحراري، بينما الأخرى أزمة دولية ديناميكية.
وخلال ربع القرن الأخير، عاش العالم أربع أزمات اقتصادية وسياسية كبرى: أولاها كانت الأزمة الآسيوية في عام 1997؛ وثانيتها كانت الأزمة المالية العالمية في 2008؛ وثالثتها أزمة «كوفيد» في 2019؛ ورابعتها الأزمة التي صارت حرباً في أوكرانيا في 2022. وبعد أكثر من 6 شهور على بدء الحرب الروسية الأوكرانية فإنها لا تزال مستمرة، ولا يوجد ما يشير إلى نهايتها. وعادة ما تنتهي الأزمات والحروب بشكل ما من خلال: أولاً، القاعدة العامة، وفيها تنتهي الحرب بانتصار طرف بشكل كامل وهزيمة الطرف الآخر، وهو ما حدث في الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الأميركية؛ حيث كان الانتصار كاملاً، واستسلم الطرف الآخر راكعاً. وثانياً، لا يوجد انتصار أو هزيمة مطلقة، وإنما تؤدي الحرب إلى نوع من التفاوض يعكس توازنات القوى والرغبة في إنهاء الصراع. والحقيقة أنه لا يوجد لدى أحد في العالم من يؤكد أن الحرب سوف تنتهي بانتصار طرف أو آخر؛ أو أن أياً منهما على استعداد للجلوس على مائدة التفاوض.
ضع كل ما سبق بعضه فوق بعض، وتخيل حجم ما يقض المضاجع العربية؛ خصوصاً تلك التي نعمت أولاً بنعمة الاستقرار السياسي، وتجاوزت فتنة «الربيع العربي» إلى صيغة سياسية ثابتة ومشروعة؛ وثانياً بشجاعة القيام بالإصلاح الشامل للبلاد والعباد خلال السنوات الأخيرة، مضيفة شرعية الإنجاز والنمو إلى شرعية التاريخ والدولة الوطنية؛ وثالثاً بأن جميعها راغب في تحقيق السلام العادل والاستقرار الإقليمي، لكي تكون هناك بيئة مناسبة لما يريدون تحقيقه من أهداف في الأمن والتنمية، وجرى ذلك في معاهدات واتفاقيات مباشرة، أو إعادة جدولة العداء وأولوياته في المنطقة.
تسع دول عربية تلاقت على هذه الأهداف، من خلال مشاورات واتصالات جرت قبيل القمة الأميركية العربية، وأثناءها كان الخطاب العربي عاكساً لمدى التقارب في الرؤية والنظر للمستقبل؛ ليس فقط في مواجهة الطرف الأميركي، وإنما أيضاً في مواجهة العالم والإقليم وتحدياتهما الصعبة. هذه المجموعة من الدول سعت منذ بداية العقد الحالي إلى بناء جسور التعاون مع الجوار الإقليمي، ومشت في طريق حل المشكلات والمعضلات التي تراكمت خلال العقد السابق؛ في الوقت نفسه الذي أقامت فيه سياسات متوازنة مع قوى العالم الكبرى. لم يكن ذلك على أساس من سياسات «عدم الانحياز» و«الحياد الإيجابي» السابقة في ستينات القرن الماضي؛ وإنما على أساس من تعريف دقيق للمصالح الوطنية؛ بحيث يكون مد الأيادي وسحبها متوقفاً على ما يفيد وينفع.
هذه المصالح ذاتها تدفع في اتجاه ما هو أكثر، ليس فقط لأنه ليس بمقدور كل دولة بمفردها حل قضايا من الاتساع والعمق والاستمرارية مثل الاحتباس الحراري؛ أو أنها في ظل عدم اليقين المحيط بالأزمة الأوكرانية أن تتعامل مع الظروف المتقلبة للسياسة الدولية؛ ولكن أكثر من ذلك، فإن عدم اليقين هذا يزداد انتشاره بعد كل يوم؛ لأن متغيرات الأزمة ليست فقط قائمة على توازن القوى، أو القدرة على المبادرة وامتلاك زمام الأمور، أو تحمل الاستنزاف الجاري للموارد والبشر؛ وإنما هي أكثر من ذلك قائمة على الأحوال الداخلية للدول.
لن يختلف أحد على الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة ومكانتها في العلاقات الدولية، ولكن واشنطن تمر بأزمة داخلية حادة، ربما لا تشبه أزمات العالم الثالث أو تلك الذائعة في الشرق الأوسط، ولكنها تحتدم على الطريقة الأميركية التي تجعل انتخابات التجديد النصفي، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، منذرة بمواجهات حادة تشبه تلك التي جرت في ثلاثينات القرن الماضي، حينما تحدت «الفاشية» والعنصرية الاستقرار المؤسسي للدولة.
المواجهة المنتظرة بين الرئيس الحالي جوزيف بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب لن تكون حول رئاسة الدولة الأميركية، وإنما حول ماهية الولايات المتحدة ذاتها. وفي المقابل فإن ثمن النصر أو الهزيمة في أوكرانيا، سوف يعطي العالم دولة روسية غير تلك التي عرفناها، غير مكتفية بمراجعة النظام العالمي، وإنما بتغيير الأحوال في القارة الأوروبية، وفي الطريق القصاص من لحظة مهانة سابقة عند انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. الصين المستقرة على فوائد العولمة، والاستعداد للمراجعة السلمية للنظام الدولي، أظهرت أنياباً عسكرية مقلقة للمستقبل، خلال أزمة تايوان الأخيرة التي نجمت عن زيارة لم تكن لها ضرورة للسيدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي.
عدم اليقين من أحوال القوى العظمي وتقلباتها الداخلية والخارجية يضيف قلقاً إضافياً لعالم تقلبت أحواله بقسوة خلال الأعوام الأخيرة، ولا يوجد سبيل للتعامل معه إلا من خلال قوى مستقرة وملتقية على مصالح خاصة، يضاف لها امتزاج وتكامل عندما تلتقي مع مصالح دول أخرى جرى التشاور واللقاء معها.
في هذا المقام، سبق أن تعرضت للتجربة الأوروبية في أعقاب الثورة الفرنسية، وكيف أن إقامة «المنظومة الأوروبية» أو «The Concert of Europe»، كان هو الذي أعطى أوروبا الفرصة لكي تتجاوز؛ ليس فقط الثورة والحروب النابليونية، وإنما أكثر من ذلك الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي أنتج مؤسسات قادرة على تحقيق الاستقرار واستيعاب آثار الثورة الصناعية الأولى. المفهوم كان وثيق الصلة بتوازنات القوى في القارة الشابة وقتها، ونبع من واقع الجغرافيا السياسية، وظل مؤثراً في سياساتها الإقليمية والدولية، حتى انهار مع قيام الحرب العالمية الأولى.

في حالتنا الآن، ليس على تجمع من الدول التسع أو ما هو أكثر إلا أن يبدأ في الانتقال من حالة العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين الدول، إلى صياغة مصالح جماعية تتعامل مع الواقع الدولي والعالمي. في هذه الحالة فإن على «المنظومة العربية» أو «Concert of Arabia» أن تتعامل مع المشكلات الملحة لمنع الوباء قبل قدومه، ومكافحة الاحتباس الحراري وأزمات الطاقة والغذاء، وتقلبات أحوال الدول العظمى، من خلال تعميق العلاقات فيما بينها، وهي الواقعة في مفترق طرق العالم وفي القلب من أزماته. وبصراحة فإن كل ذلك يقع في مركز «السياسة» العربية وسبلها الحالية، وهي التي تستطيع بلادها كل يوم أن تساهم أيضاً في تغيير الإقليم والعالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحديات أزمات كونية وإقليمية مركبة تحديات أزمات كونية وإقليمية مركبة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon