توقيت القاهرة المحلي 06:49:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماكدونالد ونهاية العولمة

  مصر اليوم -

ماكدونالد ونهاية العولمة

بقلم: عبد المنعم سعيد

الأسئلة لا تتوقف حول الحرب الأوكرانية من زوايا تتعلق بالحرب ذاتها من ينتصر ومن يهزم، ومتى تتوقف، وهل يمكن أن تتصاعد وإلى أى مدى، وهل الحروب النووية محتملة أم أنها تحمل فى طياتها رادعها؛ وهل كانت روسيا معتدية أم أنها كانت تدافع عن نفسها ضد توغل حلف الأطلنطى، وهل يوقفها العقوبات الاقتصادية أم أنها بحجمها تستطيع تحملها؛ وهل كانت أوكرانيا ضحية أم أنها اختارت اختيارات خاطئة فقسمت شعبها بين مؤيد لروسيا ومناصر للغرب، ولماذا لم تخلق الديمقراطية فى أوكرانيا دولة للمواطنة تستوعب وتحمى الجميع، وما هو مصير أوكرانيا على أى حال؟ الأسئلة من هذا النوع كثيرة وممتدة إلى مصير القارة الأوروبية وموقع ألمانيا فيها؛ وكيف يمكن لبريطانيا التى خرجت على الاتحاد الأوروبى أن تكون الأكثر تشددا وهى التى سوف تدفع الأقل ثمنا؛ وألم تكن بريطانيا هى التى حثت على توسع الاتحاد واقترابه من الحدود الروسية من خلال ضم أوكرانيا؟ وهكذا تستمر الأسئلة إلى مصير النظام العالمى، ويتساءل الناس فى الشرق الأوسط عن موقعهم فى ذلك كله، والحرب تمتد آثارها إلى كل أركان المعمورة التى ليس لها فى الأمر لا ناقة ولا جمل؟ هذه الأسئلة التى تتردد وتتشعب تحتاج إلى إجابات يصعب الإتيان بها لأنها سوف تكون فقيرة وقصيرة ومتناقضة ربما إذا ما انتقل المجيب من زاوية إلى أخرى. ودون الهروب من المحاولة، واحتراما لمساحة المقام، فإن الحرب بكل ما لها وما عليها تطرح كثيرا من المشاهد ذات الطبيعة الدرامية التى تكررت عبر الزمن من زوايا مختلفة، ويقع فى المقدمة منها ذلك المشهد المثير لإغلاق محلات ماكدونالد البالغ عددها ٨٥٠ والمستوطنة لذات العدد من المجتمعات التى تحلقت حول القوس الذهبى المنتج للهمبرجر والبج ماك.

لم يبلغ ماكدونالد هذا العدد مرة واحدة، فرغم أن البداية كانت فى عام ١٩٧٠، فإن الازدهار لم يحدث إلا مع البيرستورويكا التى أتى بها آخر رؤساء الاتحاد السوفيتى جورباتشوف عندما أراد الانفتاح على الغرب. ولم تكن ماكدونالد وحدها التى أتت وإنما جاء معها كل متعلقاتها من شركات المشروبات الغازية الشهيرة مثل بيبسى كولا وكوكا كولا وسيفن أب وغيرها ومعها جميعا ٣٣٠ شركة أمريكية. كانت الطوابير الروسية أمام ماكدونالد شهادة على عالم جديد يطرق بقوة على الأبواب السوفيتية التى سرعان ما انهارت ومعها الاتحاد السوفيتى كله. وقتها اعتبر ذلك انتصارا للغرب وحلف الأطلنطى وساسة غربيون وضعوا خططا وسياسات من أجل تلك اللحظة التى يتغير فيها السوفيت والروس فى قلبهم لكى يكونوا جزءا من العالم أو هكذا كان الرهان الذى انتهى إلى قدر هائل من الخسران. العشرية الأخيرة من القرن العشرين شهدت روسيا التى تتحكم فيها عصابات المافيا، وتبيعها بالجملة والتجزئة بينما الرئيس يلتسين غارق فى زجاجات الفودكا. لم يفلح تمدد ماكدونالد ولا غيره من الشركات الأمريكية والغربية الأخرى التى أتت فى حجب حقيقة المرارة التى بدأت تتجمع لدى المواطن الروسى إزاء ما جرى. لم يخف على أحد أنه لا جورباتشوف ولا يلتسين نجحا فى الانضمام إلى حلف الأطلنطي؛ ومؤخرا أعلن الرئيس بوتين أنه حاول هو الآخر فى بداية حكمه عام ٢٠٠٠ ولكنه لم يتلق ردا إلى اليوم.

النظرية السائدة فى ذلك الوقت كانت قائمة أن حركة التجارة واستثمارات الشركات المختلفة سوف تخلق حالة العولمة التى ساعتها لا يكون مصلحة لأحد فى حرب ولا نزاع. توماس فريدمان أخذ الأمر إلى درجة أعلى وهى أنه لن يحدث تحارب بين بلدين لديهما “ماكدونالد”؛ ورغم ثبوت خطأ هذا الرهان فى حرب البوسنة فإن النظرية ظلت ذائعة ومنطقية خاصة بعد أن تمددت الشركات إلى “آبل” و«أمازون» وشركات طيران من بوينج إلى إير باص إلى داخل الساحة الروسية. إلا أن ما أثار الدهشة فى هذه الحلقات من العولمة كان سهولة الخلاص منها عندما أعلنت الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية إزاء روسيا فإن ماكدونالد التى تشكل إيراداتها من روسيا وحدها ٩٪ من إيراداتها العالمية، ولديها ٦٢ ألف موظف وعامل روسى، كانت من أول المغادرين بحجة التعاطف مع أوكرانيا. والحقيقة أن الولايات المتحدة عندما بدأت المقاطعة والعقاب الاقتصادى كانت فى حقيقتها تغلق أبواب العولمة التى بدأت بها وسوقتها طوال العقود الثلاثة الماضية كبديل لنظام القطبين الدولى بعد نهاية الحرب الباردة.

المعضلة العالمية الكبيرة من الطرح الأمريكى الجديد أنها وضعت موضع الشك السياسات التى اتبعتها طوال هذه المرحلة لأن جوهر العولمة كان انتشار النظام الرأسمالى لكى يغطى الكوكب كله. الإشكالية هنا أن النظام الرأسمالى يقوم أساسا على الثقة سواء كان ذلك فى النظام البنكى الذى يحفظ المدخرات أو يحولها بسهولة إلى حيث يشاء العميل الذى يستخدم بطاقات الائتمان أو يقوم بالاستثمار؛ أو فى وسائل السفر والإقامة فمهما يتغير المكان فإن سلاسل الفنادق فى النهاية واحدة ولها نظام واحد. انظر إلى ذلك فى ظل أوجه متعددة للعمليات الرأسمالية فى العالم المصاحبة للاستثمار والإنتاج والاستهلاك، وسوف تجد حجم النكبة العالمية المصاحبة للحرب الأوكرانية الروسية. وهنا يكمن واحد من أهم ملامح الأزمة الراهنة المصاحبة للحرب الأوكرانية، فرغم أن الولايات المتحدة قاطعت دولا كثيرة من قبل، فإن حجم وقدرة هذه الدول لم تكن مؤثرة عالميا. روسيا التى تمتلك سُدسْ مساحة اليابسة فى العالم، ولديها سبعة آلاف رأس نووى، وعلى علاقات وثيقة بالصين، لا يمكن معاملتها معاملة الدول الصغرى أو حتى الكبرى. ماكدونالد ربما كان واجهة، ولكن الواقع أكثر خطورة من حرمان الروس من أكل الهمبرجر، وتناول البيج ماك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكدونالد ونهاية العولمة ماكدونالد ونهاية العولمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon