توقيت القاهرة المحلي 20:37:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرجعية الحوار الوطنى

  مصر اليوم -

مرجعية الحوار الوطنى

بقلم - عبد المنعم سعيد

نمو المجتمعات والدول، وتقدمها أو حتى تأخرها، كثيرا ما تختلط فيه التجربة الخاصة بالبلد المعنىّ بتجارب دول أخرى يأخذ عنها الأفكار أو التجارب العملية. في كتاب «محمد على» للمؤرخ المصرى شفيق غربال، أن والى مصر كان منقسما بين الاستعارة من الأصول العثمانية للدولة التي يؤسسها، وتجارب الدول الأوروبية المتقدمة في فرنسا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا، وجميعها كان يمر بمجمع من الثورات السياسية والاقتصادية والصناعية والعلمية التي فتحت أبوابا واسعة لعالم جديد. وبعد قرن من التجربة التحديثية المصرية فإن العائدين إلى مصر من طلبة البعثات الدراسية حملوا معهم الكثير من العلم والخبرات، ومشاهدات للتقدم التكنولوجى والمعارف الاقتصادية والاجتماعية التي باتت مرجعية لما جاء فيما بعد، حينما هبت ثورة ١٩١٩ وقامت المملكة المصرية ووضعت دستورها. دخلت مصر إلى العالم المعاصر مستندة إلى مرجعية ليبرالية استحكمت من نخبتها السياسية؛ لكن مع ثورة يوليو ١٩٥٢ وقيام الجمهورية انقسمت هذه المرجعية إلى قسمين رغم اتفاقهما على المعاصرة والحداثة، أولهما يستند إلى التجارب الأوروبية الليبرالية المختلفة، وأضيفت لها الولايات المتحدة؛ وثانيهما أخذ عن النظم الاشتراكية وأضيفت لها بلدان فاشية مثل البرتغال التي كانت ملهمة في قيام الحكم على «تحالف قوى الشعب العاملة».

وعلى مدى قرن كامل تقريبا دارت المنافسة والحوار بين المرجعيتين، وانتقى نظام الحكم من هذا وذاك، ومال في إجراءاته هنا وهناك، ولكنه في كل الأحوال كان ينافس مرجعية ثالثة نبتت في أحضان فكرة «الخلافة الإسلامية» التي ولدت سلفيات مختلفة من الإخوان المسلمين ومشتقاتها، حتى وصلنا إلى القاعدة والمتنافسين معها من «داعش» وآخرين على قيادة الإرهاب والعنف. وخلال المراحل المختلفة للتاريخ المصرى المعاصر كانت المرجعية حاضرة في كل الحوارات والجدل، وأحيانا جرى القفز فيما بينها من أشخاص اكتشفت فجأة أهمية «العدالة الاجتماعية» أو وجدت أن «التراث» يحمل كل شىء، وظهرت تيارات من داخلها حاملة اسم زعيمها كما حدث في «المرحلة الناصرية».

الحوار الوطنى القادم لن يسلم من حضور هذه المرجعيات، ولكنه لن يَسْلَمَ الطريق ما لم يطلع على المرجعية التي قادت البلاد خلال السنوات التسع الماضية، وتحديدا منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتى رغم شيوع بصمات المرجعيات الثلاث فإنها أخذت من عالمها تجارب الدول الصناعية الحديثة التي عانت كثيرا من الاستعمار والتخلف في عمومه، ثم ظهرت إلى الدنيا خلال العقود الثلاثة الماضية كنمور وفهود اقتصادية، وقوى منافسة في النظام العالمى. أغلبية هذه الدول ظهرت في شرق وجنوب شرق آسيا، وفى المقدمة منها الصين والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وتايلاند والفلبين وسنغافورة وفيتنام؛ ولكن تجربتها تظهر متناثرة في أمريكا اللاتينية في المكسيك والبرازيل، وفى إفريقيا في رواندا وغانا. هذه الدول جميعها تجنبت التورط الخارجى في نزاعات وصراعات، وأخذت بنوع من الثبات أو الكمون أو حتى الصبر الاستراتيجى لكى توفر كل طاقاتها من أجل عمليات البناء الداخلية. استفادت هذه الدول كثيرا من تجاربها الداخلية التاريخية أثناء الحرب الفيتنامية، والحروب في منطقة «الهند الصينية» عامة، كما تعلمت من التجارب الخارجية، وفى المقدمة منها اليابان، وتجنبت انقساماتها السياسية والعرقية، وفى العموم فإن الاستقرار والأمن الإقليمى وضع الأساس لإدارة الثروة الوطنية، وليس إدارة الفقر التي حكمت السياسات والحوارات المصرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان هذا ما فعلته مصر وهى تواجه أكبر عملية انشقاق عرفتها مصر في تاريخها المعاصر، سواء كان ذلك من ثوار يناير ٢٠١١، أو من أساطين الإخوان في محاولتهم لتغيير هوية الدولة الوطنية المصرية تحت شعارات دينية.

مرجعية السنوات التسع السابقة لا بد أن تجد مجالها الفسيح في الحوار، وهى مرجعية تقوم على الاستقرار والثبات والصبر الاستراتيجى، وبناء الدولة بمعدلات عالية وسريعة، تكفل تراكم الثروة وتحقيق انطلاقات كبرى أثناء السنوات الثمانى المقبلة. لقد عاشت مصر مرحلة حوار كلامى كبير أثناء التواجد في ميدان التحرير، وفيما لحق بعدها ثلاث سنوات من حوارات استمرت آناء الليل والنهار، ولم يخرج منها مشروع قومى أكثر من الحاجة الكثيفة لمزيد من الحوار بين القوى الثورية وائتلافات شباب الثورة. كانت النتيجة بعد ذلك معروفة وهى أن القوى الرجعية كان لديها مشروع للتخلف صممت عليه وحشدت القوى الداخلية والخارجية وراءه، بعد أن أصبحت التعددية مقصورة على الإفتاء وليس التشريع، والتنوع يقوم على وحدانية الرأى والمذهب، ولم تعد وظيفة المجالس النيابية إصدار القوانين وإنما الاستماع إلى فتوى مجلس الإرشاد. «كيف نطبق مرجعية الدول الصناعية الحديثة حتى عام ٢٠٣٠؟» تلك هي قضية الحوار الأساسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرجعية الحوار الوطنى مرجعية الحوار الوطنى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon