توقيت القاهرة المحلي 10:58:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

أصبح العالم غير ذلك الذي عرفناه، فلم تفلح «العولمة» في منع الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، ولا الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة من الاشتباك والحرب في أوكرانيا، ولا كلاهما- العولمة والاعتماد المتبادل- من مطالبة الصين بمراجعة النظام الدولى الذي عرفناه تحت قيادة واشنطن. ولم تفلح الديمقراطية والليبرالية في أوكرانيا في حل معضلات «المواطنة» في الدولة، فانقسمت وتحاربت داخليًا قبل أن يحل التدخل الخارجى المسلح. وأصبح الثمن فادحًا ليس للدولتين المتحاربتين وحدهما، وإنما أصبح لدينا صراع عالمى يدفع ثمنه جميع دول العالم. ارتفعت أسعار الطاقة كما لم يحدث في التاريخ، ومعها أسعار الغذاء، والمعادن، وعانت سلاسل الإمداد الصناعى، وهى التي كانت تعانى منذ بداية «الجائحة»، وشكّل كل ذلك عبئًا باهظًا على الدول والشعوب. الاستجابة لهذه الحالة الجديدة يأتى فيها استشعار ما حذر منه بعض المفكرين من أن الصدام ما بين «النظام الدولى» القائم على الدول والقوميات والهويات والتنافس على النفوذ والهيمنة، و«النظام العالمى» القائم على العولمة الاقتصادية والسياسية وتفاعل الثقافات ليس ممكنًا فقط، بل إنه وارد بسبب ما هو كامن في أصول النظامين، وهو ما اتضح وانكشف خلال الصراع الحالى في أوكرانيا. وفى الشرق الأوسط فإن انعكاساته تبدّت في المفاجأة عند حدوث الحرب الأوكرانية، وفى المواقف المختلفة لدول الإقليم من طرفى الصراع الدائرة آثاره السلبية على اقتصاديات المنطقة وتفاعلاتها مع العالم الخارجى، والتى تراكمت كثافتها طوال السنوات والعقود الأخيرة.
هذه الحالة الدولية وآثارها السلبية على منطقة الشرق الأوسط كانت لها سوابق انقطعت فيها العلاقات أثناء الحرب مع مصادر مهمة للعيش عبر البحار، وكان الحل أو بعضه على الأقل قائمًا على التعاون الإقليمى لتجاوز الحالة العالمية البائسة. وأثناء الحرب العالمية الثانية وجدت بريطانيا، الدولة العالمية القائدة في ذلك الوقت، أنه لابد من وضع آلية يمكن من خلالها التعامل مع الأوضاع الاقتصادية المتعسرة بفعل عمليات الغواصات المتقاتلة في البحر الأبيض المتوسط. وفى إبريل عام ١٩٤١ أنشأت بريطانيا ما سُمى «مركز إمداد الشرق الأوسط أو «Middle East Supply Center أو MESC» لكى يوفر الحاجات الأساسية من الغذاء والدواء سواء كان ذلك بالاستيراد من مناطق أخرى، أو من خلال تشجيع الإنتاج المحلى، أو التعاون الإقليمى، الذي كانت نقطة البداية فيه بين مصر وفلسطين وسوريا. تمدد هذا المركز خلال فترة الحرب التي طالت، وخفف من آلامها عندما دخلت فيه دول أخرى، وتشجعت صناعات محلية على تعويض المفقود الناتج عن العمليات الحربية. انتهى عمل هذا المركز مع انتهاء الحرب، ولكن الجائز أن فكرة الحاجة إلى التعاون الإقليمى ظلّت باقية، وربما كانت من الدوافع وراء إنشاء الجامعة العربية فيما بعد.

ما حدث وما جرى سوف يكون قضية المؤرخين، ولكن الواقع الحالى للعلاقات الدولية المتطاحنة يأخذنا إلى ثلاثة خيارات: أولها أن تعتمد كل دولة من دول المنطقة على ذاتها بحيث تحقق الاكتفاء الذاتى في كل ما تحتاجه، وذلك له تكلفة وفاتورة عالية مع طول زمن تحقيق الغاية؛ وثانيها تشجيع دخول الصين إلى ساحة الدول العظمى في العالم، بحيث يكون العالم ثلاثى القطبية مع روسيا والولايات المتحدة، وذلك صعب ومعقد للغاية ليس فقط لأن التعامل مع عاصمة واحدة كان مرهقًا، والتعامل مع عاصمتين كان دائمًا حرجًا، والأرجح أن التعامل مع ثلاثة عواصم سوف يكون دومًا رهينة تعاون أو صراع اثنتين منها. وثالثها التعاون الإقليمى، الذي يأخذ من العالم تقدمه ومن الدولة هويتها، التي نمَت خلال عملية تاريخية تفاعلت فيها الدولة مع جيرانها بعدًا وقربًا. هذا الخيار جرى تبَنِّيه من قِبَل دول جنوب شرق آسيا في أعقاب الحرب الفيتنامية، وصراع العمالقة (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى) والتوتر والصراع الهندى الصينى، ولم يكن هناك بد من اتباع طريق قائم على السلام والوحدة الوطنية والإصلاح الاقتصادى في الداخل، وإقامة السلام والتعاون مع دول الإقليم. وكانت النتيجة أنه منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى ونحن نسمع عن النمور والفهود الآسيوية التي تحقق معدلات عالية من النمو الاقتصادى، وإنهاء النزاعات الإقليمية التاريخية، ومعها منظمة إقليمية للتعاون هي «آسيان».

ما نحتاجه الآن في الإقليم للتعامل مع الأوضاع الخطيرة في العالم هذا الخيار الثالث من الإقليمية الجديدة، والذى تُقبل عليه دول الإصلاح الجاد في المنطقة، وتسعى منه إلى إقامة إطار للأمن الإقليمى يعترف بالحدود القائمة، ولا تتدخل فيه دولة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتُقام فيه المشروعات التي تحقق الرخاء للجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon