بقلم - عبد المنعم سعيد
ملخص ما كتبته من قبل فى شأن النظام الدولى هو أولًا أن تغيرًا فى تشكيلة المنظومة الدولية يحدث كلما وهنت القوة أو القوى القائدة ومعها صعود قوى جديدة؛ وثانيًا أن نظام ما بعد انتهاء الحرب الباردة يعانى وهن القوة الغربية المسيطرة وقيادتها المتمثلة فى الولايات المتحدة وتحالف الأطلنطى؛ وثالثًا أن القوة الصاعدة، وهى الصين، تحاول مع روسيا مراجعة النظام القائم. ولذلك فإنه من الضرورى أن نستمع جيدًا لما تقوله الصين، وربما لن يقل أهمية عن ذلك «المسكوت» عنه فى الخطاب. وبهذه الخلفية، يمكن قراءة وتحليل خطاب الرئيس «شى جين بينج» أمام الاجتماع الثانى والعشرين لمجلس رؤساء دول منظمة شانغهاى للتعاون، المنعقد فى ١٦ سبتمبر الجارى. اللافت للنظر منذ البداية هو عنوان الخطاب «التمسك بالتيار العصرى وتعزيز التضامن والتعاون وخلق مستقبل جميل». كثيرًا ما يضع الزعماء والقادة عناوين نبيلة وحكيمة وقوية لخطاباتهم، ولكن الإشارة إلى «الجمال» ربما تكون إضافة صينية جديدة، حيث ترِد مرة أخرى فى الختام عند الدعوة إلى تكريس «روح شنغهاى» عند الدعوة إلى بناء «ديار جميلة يسودها السلام والاستقرار والازدهار والجمال!»، ولما كانت علامة التعجب واردة فى نص ترجمة الخطاب إلى العربية، وأن الجمال فى العادة يقع فى أعين الناظرين، فإن على المتلقى أن ينتظر الكثير من الصين فى هذه الزاوية من الحديث المضاف إليها «السعادة» فيما بعد والرؤية للنظام العالمى القادم. منطلقات الخطاب الصينى تقوم على خمسة مبادئ ذائعة فى الخطاب الدولى: التمسك بالثقة السياسية المتبادلة؛ والتمسك بالتعاون المتبادل والمنفعة؛ والتمسك بالتعامل بالمساواة «بدلًا من تنمر الكبير والقوى على الصغير والضعيف»؛ والتمسك بالانفتاح والتسامح؛ والتمسك بالإنصاف والعدالة المستندة إلى مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة. هذه المبادئ تشكل «روح شنغهاى»، وفى الواقع هى الحديث الذائع فى الخطاب السياسى الدولى، حتى لو كان معلومًا تمامًا أن المبادئ العامة أمر، والتطبيق فى الواقع آمر آخر، حيث تنتشر الاستثناءات استنادًا إلى الظروف ومدى توافر الشروط أو غيابها.
هذه المبادئ تقود إلى مجموعة من السياسات، أولاها «تعزيز الدعم المتبادل» دون التدخل فى شؤون الدول الأخرى؛ والوقوف فى مواجهة مخططات القوى الخارجية للتحريض على «الثورة الملونة» (التلميح هنا واضح للولايات المتحدة). وثانيتها توسيع التعاون الأمنى فى مواجهة الإرهاب. وثالثتها تعميق التعاون العملى فى التنمية العالمية وحماية أمن الطاقة والغذاء العالميين؛ وتعزيز المواءمة بين مبادرة «الحزام والطريق» والاستراتيجيات التنموية لمختلف دول العالم والتجمعات الإقليمية. ورابعتها تعزيز التواصل الإنسانى والثقافى وحوار الحضارات. وخامستها التمسك بتعددية الأطراف. هذه السياسات فى مجموعها متداولة بين دول العالم، التى تريد أحيانًا نظامًا دوليًّا يقوم على «قواعد قانونية»، وهو فى الحالة الصينية يؤكد أن هذه القواعد لابد من استنادها إلى منظومة الأمم المتحدة فى كافة المجالات؛ وليس منظومة خاصة بكل دولة على حدة أو تلك المستمدة من التجربة الغربية الأمريكية فى القانون والتشريع.
الخطاب الصينى هكذا، فيما عدا «التلسين» على الولايات المتحدة والدول الغربية دون ذكرها بالاسم، يعتمد على القواعد المستقرة فى القانون الدولى. وهنا تحديدًا يأتى «المسكوت عنه» فى الخطاب، حيث لا توجد فيه كلمة واحدة عن روسيا ولا أوكرانيا، ولا الحرب الدائرة بينهما. هنا يوجد اختلاف بين الخطاب الصينى والآخر الهندى على سبيل المثال، والذى نوه بالضرر الذى أصاب العالم نتيجة القرار الروسى بغزو أوكرانيا. ما كان مسكوتًا عنه أيضًا، وهو قيام العديد من المنازعات الدولية التى انفجرت، بينما «روح شنغهاى» حاضرة فى اجتماع مهم، حيث تجددت الاشتباكات الحدودية بين طاجيكستان وقرغيزستان، وتجددت الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان. المسكوت عنه أيضًا هو أنه رغم الترحيب بانضمام العديد من الدول إلى منظومة شانغهاى، وبينها دول عربية عديدة، فإن انضمام إيران التى تتدخل فى شؤون العراق وسوريا ولبنان واليمن؛ فضلًا عن علاقاتها بمنظمات إرهابية عديدة، يبدو غريبًا اللهم إلا إذا كان النظام المدعو إليه من قِبَل الصين لن يختلف كثيرًا عن النظام الذى دعَت إليه الولايات المتحدة من قبل. من الجائز بالطبع أن الصين لديها استراتيجية لترويض الكثير من دول العالم بحيث تعيد التقبل بطريقة سلمية للقواعد الدولية التى أرْسَتْها الأمم المتحدة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. الدعوة إلى الاقتراب من «أفغانستان» فى متن الخطاب ربما لتغييرها بالطرق السلمية فيها بعض من هذا، ولكن وسائلها تقوم على الاقتداء بالطريق الصينى الدؤوب نحو الإصلاح والانفتاح والتنمية لأننا على حد قول الرئيس الصينى: «سنصل إلى الهدف المنشود إذا واصلنا السير نحوه».