بقلم - عبد المنعم سعيد
إدارة أزمة حرب غزة الخامسة أكثر تعقيدا مما يتخيل الكثيرون وتتطلب أكبر قدر من الحكمة عرفناه فى حروب غزة الأربع السابقة. الحكمة ضرورية لأن الأزمة تحتمل الانفجار إلى حرب إقليمية؛ بقدر ما تحتمل أن تكون طريقا إلى السلام العربى الإسرائيلى ودولة فلسطينية وتعاون إقليمى تجد فيه جميع الأطراف ما يحقق مصالحها. الفرق شاسع وخطير، والخبرة الواسعة بالعقود الأخيرة تعطى الولايات المتحدة دورا مهما. «الفيتو» الأمريكى الأخير لقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار جرى وفق النسق الذى سارت عليه القرارات السابقة: ١٣ دولة مؤيدة، ودولة واحدة ممتنعة (بريطانيا)، ودولة أخيرة رافضة رفضا يمنع القرار من الصدور. تلى هذا القرار مباشرة إعلان أمريكى من قبل وزير الخارجية تونى بلينكن فى مؤتمر الدول العشرين أن الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي؛ لأول مرة منذ إدارة الرئيس رونالد ريجان فى الثمانينيات من القرن الماضي.
هل فعلت الولايات المتحدة ذلك لاحتواء الغضب العربى والدولى إزاء استخدامها لحق «الفيتو»؛ أم أن هذا القرار هو جزء مهم من إدارة علاقتها بإسرائيل حيث تتسع الفجوة بين يوم وآخر؟ لم يعد هناك سر أن هناك مشروعا للسلام الشامل بدأت صياغته فى مصر، وتوسعت فيه الولايات المتحدة ويلقى التأييد من قبل الأشقاء فى السعودية والإمارات ودول الخليج عامة والأردن والمغرب. المشروع يبدأ من سلسلة "هدن" حتى نصل إلى وقف إطلاق نار يكفى لإغاثة غزة، وإعادة الوحدة إلى قطاع غزة مع الضفة الغربية فى نواة كيان فلسطينى واضح وصحى يبنى دولة فلسطينية تكفى لعلاقات صحية بينها وإسرائيل، وفى صحبتها الدول العربية كما ورد فى مبادرة السلام العربية. الحركة هنا أشبه بعملية جراحية دقيقة نعرف فيها بشكل جاد طبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ كما نعرف لأول مرة أنه فى هذه المرة فإن الفجوة مع العالم العربى تضيق، بينما فجوة واشنطن مع إسرائيل تتسع.