بقلم - عبد المنعم سعيد
عشت حياتى مؤمنا أن العالم يتغير إلى الأمام والتقدم حيث يطول عمر الإنسان وتكتشف أمراض وطرق علاجها، وحيث وسائل الحياة جعلتها أكثر يسرا، وسرعة الاتصال والتواصل جعلت الدنيا قرية صغيرة ينساب فيما بينها العلم والفنون. التكنولوجيا والتقدم فى أدوات الإنتاج لعبت دورا رئيسيا؛ ومن عاش ثلاثة أرباع قرن سوف يعرف الفارق ما بين الحال فى أربعينيات القرن الماضى والعشرية الثالثة فى القرن الحادى والعشرين. اليقين جعل كل اكتشاف تكنولوجى نعمة ونقمة مثل النار التى بقدر ما تقدم الدفء فهى السبيل إلى الحريق. وعندما جاءت الثورة التكنولوجية الثالثة التى عرفت بالمعلوماتية، وقدمت كوكب الأرض كما لو كان وحدة واحدة يتحدث فيها الناس بآرائهم ومعلوماتهم وأحيانا بحكمتهم؛ أصبحت «العولمة» عاكسة لحقيقة جديدة للبشرية كلها. وفى داخل الأوطان تقلصت المسافات وبات ممكنا تواصل الأفكار التى سرعان ما تنقل التقدم ومواصفاته من مكان إلى آخر؛ وفى الأحلام بدا العالم أكثر ازدهارا مما بدأ.
فى البداية سمحت التكنولوجيا من خلال «الإنترنت» بظاهرة «البلوجر»، وهو ما يعنى أن كل من لديه فكرة أو حلم أو رأى أو خبرة أو حتى نغمة، يمكنه أن ينقلها إلى عدد هائل من البشر. هذه ساحة هائلة للمناقشة والحوار الذى يستند إلى نص أخذ الكثير من قدرة النصوص التقليدية فى القص والحجة، وهذه تساهم فى بناء التيارات والأحزاب والجماعات بوسائل تكلفتها معقولة، وهو ما يبلور الطاقات الوطنية. ولكن ذلك لم يستمر طويلا حتى جاء «الفيسبوك» و«التويتر» وأصبح هناك نوع جديد من الثقافة «الفيسبوكية» التى فيها القليل من التعارف ونقل الأخبار، ولكن فيها الكثير من المعرفة الناقصة والجهل والعدوانية الكلامية التى نادرا ما تنتهى إلى توافق، كما تخلق انقسامات كثيرة. ما أصبح معلوما من «أدوات التواصل الاجتماعى» لم يعد تشكيل جوهر «الأمة» بأدوات جديدة، وإنما العمل بكل الطرق على تقسيمها. ولكن فى اللعنة هناك ما هو أكثر!