بقلم - عبد المنعم سعيد
لم يكن عبور القناة فى اتجاه الغرب سهلا، كان الهرج والمرج مختلفا عن لحظات الانضباط الصارمة ساعة العبور إلى الشرق، بعد غروب الشمس عبرنا، ومن نقطة العبور إلى معسكر الجلاء حيث التحقنا بجنود قيادة الجيش الثاني. كانت الحرب مستمرة، والمدفعية تضرب وترتج معها الجدران. كان الأمر مختلفا، الحرب من داخل المبانى الخرسانية، والحرب فى قلب الصحراء الواسعة. كان النوم عزيزا أن تنطبق الجدران على النفس، اشتقت كثيرا للكتيبة التى تركناها. قام المقدم جمال حفيظ بشرح الموقف داخل الجبهة لقيادة الجيش ورجل المدفعية الأكبر اللواء عبد الحليم أبو غزالة. فى الصباح عرفنا أن قرارا صدر بوقف إطلاق النار، وعندما بلغنا الساعة السادسة مساء ٢٢ أكتوبر صدرت أوامر القائد بأن نطلق النيران من بنادقنا احتفالا بالنصر. عدنا مرة أخرى إلى الضفة الشرقية، شعرت بدرجة عالية من الاطمئنان، وقبل انتصاف النهار كانت الحرب مستمرة ليست فى جبهتنا وإنما فى جبهة الجيش الثالث.
بعد سنوات عرفت أن كيسنجر ذهب إلى موسكو ورغم توصله إلى وقف إطلاق النار كما أسلفنا إلا أنه فى طريق عودته إلى واشنطن ذهب إلى إسرائيل وهناك ضغطوا عليه أنه حرمهم من النصر، فما كان منه إلا أن قال إن قرار وقف إطلاق النار فى فيتنام لم يتم تطبيقه فورا. كان ذلك سماحا لإسرائيل باختراق القرار الدولى والزحف فى اتجاه السويس حيث لقيت إسرائيل هزيمتها الأخيرة وبعدها وصل العالم إلى حافة المواجهة النووية بين موسكو وواشنطن. يوم ٢٦ أكتوبر سكتت المدافع، وبقيت فى سيناء المحررة حتى يوم ١٨ يناير ١٩٧٤ عندما حدث الفصل الأول بين القوات. عدنا إلى مقر الكتيبة وهناك وجدت صديقى ماهر ميخائيل وقد أعد لى وجبة، وماء ساخنا بعد أن أخذت مهمة إيصال مرتبات الجنود إلى أسرهم فى القاهرة وريف الجيزة والمنوفية وقرية فى الغربية. كانت هذه مصر أخرى لم أعرفها من قبل.