بقلم - عبد المنعم سعيد
فى بداية الحياة العملية لجيلنا كان أقصى أمانينا الدخول إلى الحياة العامة من زاوية الكتابة الصحفية. كان لدينا نوع جديد من المعرفة ينتمى إلى العلوم السياسية التى كانت فى باكر أيامها. ما قبلنا كانت المعرفة التاريخية عن صراعنا مع الاستعمار فى السابق ومع إسرائيل فى الحاضر. وعندما أتاح لنا أستاذنا د. عبد الملك عودة أن نعرض الكتب فى مجلة السياسة الدولية كان ذلك فتحا؛ وبعدها جاء الباب الكبير فى مجلة الدراسات الإفريقية وكان الأستاذ حسين عبد الرازق رئيسا لتحريرها؛ ولم يمض وقت حتى فتحت البوابة العظمى لـ«لأهرام»، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فى عام ١٩٧٥، وعندما جاء المقال الأول فى الصحيفة العريقة لم يكن ممكنا نوم الليل قبل الحصول على الطبعة الأولى. ولكن الكتابة لم تعد فقط هى النافذة على عالم الفكر والجمهور القارئ وإنما فجأة عالم المستمعين من خلال «الراديو» للبرنامج العام؛ ومعه مفاجأة أخرى لمكافأة مالية للكلام! لم يكن ذلك سهلا، ففى عالم الكتابة فإن الكاتب يعرف البداية والنهاية لمقاله، ولكن فى عالم الراديو يعنى الأسئلة الصعبة؟!
من الراديو تفرع الأمر إلى التليفزيون ومنه إلى المواقع الإخبارية، والنوافذ مفتوحة آناء الليل وأطراف النهار عبر «الزووم» و«سكايب» لكى تجيب عن أسئلة صعبة وعجيبة من نوعية «متى تنتهى الحرب؟» أو ما الذى يريده السيد «أردوغان حقا»، و«هل يمكن لنيتانياهو الموافقة على السلام؟« و«متى يتم تنفيذ وثيقة ملكية الدولة؟» وهل تظن أن هناك تشكيلا وزاريا فى القريب العاجل؟! طوال تسعينيات القرن الماضى وبعض من بداية الألفية الجديدة كان الباحثون والخبراء فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ينتشرون فى حالة احتكارية بين بوابات الإعلام فى العالم العربي، والآن أصبحت المراكز كثرا فى كل دولة عربية، والصحفيون المتخصصون فى قضايا ومناطق لا يقلون كثرة؛ ولكن كل ذلك لم يجعل الأسئلة أقل صعوبة، ولم تعد الحيرة فى منطقتنا وعالمنا العربى أقل تعقيدا.