توقيت القاهرة المحلي 16:28:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

برنيس ورأس الحكمة

  مصر اليوم -

برنيس ورأس الحكمة

بقلم - عبد المنعم سعيد

الاقتصاد مثل كل أنشطة الإنسان تتعرض لنوبات من التراجع والمرض أحيانا؛ ولكنه ما إن يبدأ العلاج حتى يستعيد الجسم عافيته ويبدأ فى تنشيط ذاكرته ويصبح لديه قدرة على الوفاء بالتزاماته، بل ينتقل إلى مرحلة من العافية والإنتاجية الفكرية غير مسبوقة.

كنت دوما من المعتقدين أن مصر دولة غنية بشعبها وأرضها ونيلها وبحارها وبحيراتها؛ وأن قضية فقرها وعوزها ومد يدها وانتظار تحويلات أهلها من الخارج هى نابعة من نظرة تعيسة للثروة لا يوجد فيها إلا نفط وغاز وتكنولوجيا ليس لنا يد فيها. خلال العقود الأخيرة كتبت وزاد اعتقادى أن مصر يمكنها أن تكون «صين الشرق الأوسط» حيث المزاوجة ما بين الديموغرافيا (السكان) والجغرافيا (الموقع والمجال) تكفى لانتقالنا من الدول النامية إلى الدول المتقدمة.

الأجيال السابقة نظرت إلى النموذج الأوروبى والغربى عامة واعتقد الخديو إسماعيل أن بإمكانه أن يجعل مصر قطعة من أوروبا؛ وبالفعل فقد كانت «القاهرة الخديوية» كذلك، وأجزاء من الإسكندرية وبورسعيد، ولكن بعد قرن من التجربة فإن الشقة بيننا وبين الدول المتقدمة اتسعت، والدنيا ضاقت ربما منذ ستينيات القرن الماضى عندما بدأت مصر فى الحصول على «المعونة» الأمريكية قمحا.

وبعدها فى السبعينيات والثمانينيات باتت المعونات والمنح والقروض بالطبع تأخذ جزءا ليس بيسير من كرامتنا. لم يكن مشهد التكالب على السفر إلى الخليج، أو الذهاب إلى أوروبا بالقوارب أو بالتحايل مما يسعد وعلى العكس كان فيه ما يحزن. كان الأصل دائما أن يذهب المصريون إلى الخارج للدراسة والتعلم؛ وإلى الخليج لكى يقدموا الاستشارة.

فى العقد الأخير كان المشهد مختلفا من حيث الإرادة السياسية للبناء والتعمير والتعليم والصحة ولكن كل ذلك وقع على عاتق الدولة التى ينوء كاهلها بالكثير من المسؤوليات الداخلية والخارجية فضلا عن التهديدات وأخطار الزمن.

وبشكل ما بدأت التجربة «الآسيوية» تأخذ بعضا من الاهتمام ولكنه اهتمام لم يكف لكى يرفع أثقالا كثيرة عن كاهل الدولة والحكومة. كان صعبا إصلاح النظام الإدارى، وكان الأصعب فتح الأسواق للبيع والشراء، والإنتاج والاستهلاك، والتصدير والاستيراد؛ وكان ذلك عصب التجربة الآسيوية ومصدر رفعتها. السنوات العشر الأخيرة لم تكن عادية فى الانتشار العمرانى والاتصالى فى الإقليم المصرى، وفى إقامة مشروعات عملاقة فضلا عن إقامة شبكة كبيرة للحماية الاجتماعية.

التكلفة كان لا بد لها أن تضغط على الموازنة العامة وأدت إلى أزمة مالية واقتصادية نجم عنها تضخم وزيادة كبيرة فى الأسعار. ورغم أنه كان هناك مطالبة دائمة فى كثير من المشروعات أن تجرى خصخصتها للقطاع الخاص إلا أن فجوة ظلت قائمة ما بين المأمول والواقع. طرحت الحكومة وثيقة ملكية الدولة، لكن ذلك لم يعط إلا القليل، وبدا أن الدولة متشبثة بملكية وسائل الإنتاج.

وأخيرا جاء الفرج مع مشروع رأس الحكمة لكى يرفع حجم الاستثمارات رفعا ملحوظا، ومؤخرا أضيف إلى «الحكمة» رأس برنيس مع حزم كبيرة من الاستثمارات التى معظمها عربية، ردت الروح لقيمة الجنيه المصرى، وقدمت نموذجا لمشروعات ضخمة أولا لا يتحمل تكلفتها الموازنة العامة؛ ورغم أنها خاصة تماما إلا أنها تقوم بالتشغيل، وعندما يبدأ الإنتاج أو تقديم الخدمات فإن الدولة المصرية سوف تحصل على ضرائب الدخل والمبيعات والأرباح فضلا عن نصيبها من العائد، وما يحدثه القادمون إليها من رواج فى أسواق أخرى مضافا لها تعزيز علاقات استراتيجية.

الأمر هو أن كل ذلك بداية لعلها تقدم للحكومة ما تحتاج من موارد للمزيد من المشروعات العملاقة؛ وتقدم للشعب فرصا كثيرة للتشغيل وبمرتبات مرتفعة؛ والأهم من ذلك أنها تفتح أبوابا كثيرة للاستثمار المصرى والأجنبى على كل شواطئ مصر.

3200 كيلومتر من السواحل المصرية كلها لا تقل جمالا عن العلمين ورأس الحكمة ورأس جميلة وبرنيس. وفى مصر أيضا 14 بحيرة قامت الدولة مشكورة بتطهيرها وإخراجها من حالتها العشوائية وأعادت مصادر تمويلها بمياه البحر؛ ولكنها لم تشغلها لا فى عمران ولا سياحة ولا تصوير الأفلام ولا صناعات قائمة على صيد السمك.

لا يوجد شك أنه لدى الحكومة خطط كثيرة لتشغيل التغيير الذى حدث فى البيئة الاقتصادية المصرية؛ ولكن الخِطط لم تعد تطبق بالسرعة التى عرفناها خلال العقد الماضى؛ وإذا كان ذلك راجعا إلى التمويل فإن ذلك تحديدا هو الغرض من الاستثمار الخاص مصريا أو عربيا أو أجنبيا. فالنموذج السابق لتمويل المشروعات من خزانة الحكومة لم يعد هناك سبب له، وإنما الحصول على المشروع مع فوائده يؤدى إلى فتح أبواب استثمارات جديدة، ويقوى الجنيه المصرى، ويسدد الديون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

برنيس ورأس الحكمة برنيس ورأس الحكمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon