توقيت القاهرة المحلي 19:35:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ربيع السودان المغدور

  مصر اليوم -

ربيع السودان المغدور

بقلم - عبد المنعم سعيد

فى هذه الأيام المفترجة إسلاميًّا ومسيحيًّا، دعونا نصلى من أجل السودان وندعو الله أن يُنجيه من شرور الفتنة والانقسام. الروابط بين مصر والسودان لا تحتاج مراجعة، وما يصيب السودانيين من أذى يمسنا معنويًّا وماديًّا؛ وعندما تُصاب الدولة السودانية بانقسام فإن المصريين يضعون أياديهم على قلوبهم. منذ اختيار السودانيين الحر لقيام السودان المستقلة وهى تعانى دورية التغييرات الحادة بين المكون العسكرى والمكون المدنى حسب التعبيرات السودانية سواء وُصفت بالثورة أو الانقلاب.

الحصاد فى النهاية بعد عقود كان قسمة السودان بين شمالها وجنوبها فى دولتين مستقلتين، كل منهما تعانى آلامها الخاصة. آخر دورات التغيير جاءت مبشرة بربيع سودانى فى ديسمبر 2018 مع موجة جديدة من «الربيع العربى» شملت العراق ولبنان والجزائر، كان يُتصور أنها سوف تتعلم الكثير من الموجة الأولى؛ ترفض الفاشية الدينية وتؤكد على الدولة الوطنية المدنية والديمقراطية.

خرجت الجماهير والمليونيات ودارت الحوارات والمناقشات والمشاركات والمناظرات كما يليق بديمقراطية كتلك التى كانت فى «أثينا» قبل أكثر من ألفين من الأعوام. انتهى الجمع السودانى بعد الإطاحة بنظام البشير إلى مرحلة انتقالية دوامها ثلاث سنوات.

الآن أصبحنا نعيش فى الربيع الرابع لما بعد ثورة انقسمت فيها السودان مرة أخرى ليس بين المكونين المدنى والعسكرى، وإنما بات كل مكون منهما يشكل انقسامه الخاص. المكون المدنى الذى يسمى الحرية والتغيير عاش حريته وتغييره، لم يعد هناك فصيل أو عنصر أو قبيلة أو إقليم أو جماعة أو حزب إلا وحصل على نصيبه من كلام السياسة وحواراتها ومناقشاتها بكل ألوانها ونغماتها.

المكون العسكرى كان منذ البداية ينقسم إلى القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؛ تحالفًا فى مواقف كان آخرها الموافقة على تسليم السلطة للمدنيين، وبعدها اختلفا على «الاندماج» حتى كان الصدام المسلح. لم تتقدم السودان خطوة واحدة، بعد أن أتاها الربيع، الذى لا يختال ضاحكًا كما قال البحترى، فباتت المؤسسات هياكل عظمية، وتهيأت الأطراف فى السودان لنوبات جديدة من العنف، وأصبحت النخب التقليدية تنتظر حتى يأتيها ربيع آخر تصل فيه إلى السلطة أو يدخل الجميع إلى نفق مظلم.

منذ بدأ الحراك السياسى فى السودان، قبل أربعة أعوام، والأنظار المصرية تتطلع إلى ما يجرى هناك أحيانًا بأمل أن تخرج الدولة الشقيقة من حالة «التغيير» السائلة إلى حالة الاستقرار على نظام بأقل قدر ممكن من الخسائر.

المسألة السودانية فى جوهرها تدور حول هوية السودان، حيث تختفى الدولة الوطنية وراء أردية متعددة من الصوفية الدينية، إلى أشكال متعددة من النزاعات العربية، وفى أوقات خاطفة نجحت الماركسية فى الوصول إلى السلطة عندما جرى انقلاب سريع بقيادة هاشم العطا والحزب الشيوعى السودانى عام ١٩٧١.

وعندما تظهر الدولة الوطنية معترفة بالتعددية الجهوية والمناطقية والدينية والمذهبية وتضع كل ذلك فى حزم ليبرالية دون مشروع وطنى جاد للتغيير فإن هذه تنتهى فى قيمها إلى ديمقراطية إجرائية لا تلبث فيها الأغلبية أن تتشرذم؛ ومع تشرذمها تصاب بالشلل والاستدراج نحو الفوضى، التى لا تجد هناك بدًّا من فضها بحكم عسكرى من نوع أو آخر.

الآن، وللأسف، وصل المرض إلى قلب المنقذ الدائم، فقسمه نصفين، بعدما أسفر الزمن عن فريقين عسكريين كما هو الحال فى تقاليد الدول الثيوقراطية، حيث تنقسم القوة المسلحة إلى جيش فى ناحية وحرس ثورى أو دعم سريع فى ناحية أخرى من أجل ضمان استمرار تنظيم سرى ثالث لا يريد هذا ولا ذاك. وعندما يستقر الوفاق على جيش واحد فى دولة موحدة فإن الخارجين عن الوحدة فى ظروف استثنائية يرون أن الاندماج يستغرق عشر سنوات لا يُشْتَمّ منها إلا الإصرار على استمرار الانقسام.

القضية الآن برمتها ليست فى يد العالم الذى يرغب فى إنقاذ السودان، وإنما فى يد السودانيين، الذين عليهم الاستقرار على دولة وطنية موحدة يكون لها جيش واحد، أو الرغبة فى مواءمات على الطريقة الفلسطينية تعطى للانقسام الشرعية السياسية أو الدينية؛ أو انقسامات على الطريقة السودانية، التى تمهد لانقسامات أكثر عمقًا ودموية!.

المدهش فى الموضوع أن للنخبة السودانية، والعربية أيضًا، مهارة فى الهروب إلى عالم المؤامرات الشريرة مرة من دول العالم، ومرة من دول الإقليم، وكأن سودان الثروات الطائلة قد هيمن على أسواق العالم منافسًا للصين والولايات المتحدة معًا والاتحاد الأوروبى واليابان فى صفهما على سبيل الاختصار.

متى يكون لدى النخب السودانية والعربية فضيلة التواضع وتحمل المسؤولية عما يدور فى بلادهم من مآسٍ مروعة تخرج من أرحام قدرات هائلة على الكلام؟!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربيع السودان المغدور ربيع السودان المغدور



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon