توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المشروع الوطنى المصرى

  مصر اليوم -

المشروع الوطنى المصرى

بقلم - عبد المنعم سعيد

من الضرورى، ونحن فى ظلال التعامل الرشيد مع الأزمة الاقتصادية (العالمية والمحلية) الراهنة، أن نكون على وعى كبير بالمشروع الوطنى المصرى ومساره حتى اللحظة الراهنة. وُلد المشروع مع ثورة يونيو ٢٠١٣ وكرد فعل لما أدت إليه ثورة يناير ٢٠١١ ليس فقط من هيمنة الإخوان المسلمين على السلطة السياسية فى البلاد، وإنما أكثر من ذلك تعرض البلاد لأخطار اقتصادية واجتماعية وأمنية بالغة. حصاد الثورة كان مشهدًا اقتصاديًّا مرتبكًا، وسياحيًّا مضطربًا، واستثمارات لا تتحرك وارتفاع نسبة الجريمة بالتوازى مع حالة انفلات سائدة سواء بالإضرابات أو الاحتجاجات أو الاعتصامات وقطع الطرق وتعطيل الإنتاج بكافة أنواعه. أشارت تقارير معهد التخطيط القومى إلى أن الخسائر المادية التى تكبدتها مصر، منذ بدء الثورة فى ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى تخلى الرئيس مبارك عن منصبه فى ١١ فبراير، قد بلغت ستة مليارات دولار، كما أن تقديرات مراكز الدراسات الاقتصادية وجدت أن الخسائر بلغت ما بين ٦٦ و١١٠ مليارات دولار خلال عام واحد، وأن الخسائر فى قطاع السياحة والطيران وحده قد بلغت ثلاثة مليارات دولار خلال تسعة أشهر. أكثر من ذلك تم إغلاق ٤٥٠٠ مصنع، مما أدى إلى زيادة العاطلين عن العمل بمقدار ٢٢٥ ألف شخص، واستمر الانخفاض فى الصادرات خلال عام ٢٠١٢، وحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، فإن الإضرابات التى اجتاحت سوق العمل أثرت سلبًا على الصادرات بقيمة ٣٠ مليار جنيه. وكان حجم الإنتاج قد تراجع بصورة غير مسبوقة فى عام ٢٠١١- ٢٠١٢، حيث بلغ ٢٤٠ مليار جنيه بانخفاض بلغ ٤٠% عن العام السابق لأسباب عديدة، أهمها عدم الاستقرار الأمنى وكثرة الاعتصامات والمطالب الفئوية، إضافة إلى تحديات عديدة واجهتها الصناعة كان لها أثر كبير فى ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض القدرة التنافسية للصناعة المصرية، ومن أهمها أزمات الطاقة ومشكلة التمويل. وما زاد من حالة التشاؤم آنذاك أن حجم الدَّيْن الداخلى بلغ ١٩٣ مليار دولار والخارجى ٣٣.٨ مليار دولار دون أى مردود تنموى. كانت الثورة تعبيرًا عن شتاء مزمن لا يبلغ الربيع أبدًا.

اللحظة كانت حارقة وفق كل المعايير، ووقتها كانت البدائل الشائعة تتراوح ما بين المشهدين السورى واليمنى، والمشهد الإرهابى الذى ورث الأيديولوجيا عن الإخوان، وورث السلاح عن ساحتين داخلية وإقليمية؛ ومشهد العودة إلى الماضى، حيث الرغبة فى الإصلاح وعدم القدرة على السير فيه؛ أو السير فى ركاب قوى محافظة؛ أو السعى نحو مشروع وطنى إصلاحى شامل. الجبهة الوطنية التى تجمعت فى الثالث من يوليو ٢٠١٣ اختارت هذا السعى، وكانت البداية مع الفترة الانتقالية للرئيس عدلى منصور، التى كفلت ليس فقط الانتقال السلمى للسلطة، وإنما أكثر من ذلك إدارة المعونات والمساعدات التى حصلت عليها مصر، مضافًا إلى ما تركه النظام الأسبق من احتياطيات تكونت إبان حرب الخليج، والدور الحيوى للقوات المسلحة والشرطة المصرية فى تحقيق الاستقرار وبدء استكشاف عملية التنمية من خلال دستور جديد. مع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يونيو ٢٠١٤، بدأت عملية بلورة المشروع الوطنى المصرى، الذى كان مفتاحه هو ما جاء أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة، والتى كان مفتاحها هو العمل والمزيد من العمل، وكان وعد الرئيس المنتخب هو أنه لن يجعل المصريين ينامون الليل!. كان الإلحاح على العمل والعمل الشاق هو الإلحاح على إجابة سؤال: ما الذى نريده لمصر: دولة متقدمة أم دولة باقية على تخلفها، وبحكم آليات التخلف تزداد تخلفًا، ودولة عظيمة أم دولة على قدر حالها، وتعوض حاجتها بحناجر عالية الصوت بالعراقة والتاريخ العظيم والاستعداد لتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية، التى لا يغلبها غلاب وذات رسالة خالدة؟.

مشهد المشروع الوطنى الأول كان حفر قناة السويس الجديدة، الذى قدم أولًا مثالًا على عمل لا ينقطع لثلاث فترات على مدار ساعات اليوم؛ ومثالًا على استعداد الشعب المصرى للمشاركة بالعمل والأموال، التى تعدت ٦٤ مليار جنيه جرى جمعها خلال أسبوع واحد. وقدم ثانيًا للعالم وللدول الشقيقة استعدادًا مصريًّا لكى تبنى بلدًا من نوعية أخرى غير تلك التى سادت خلال العقود الأخيرة. وثائقيًّا، تمت ترجمة ذلك إلى وثيقة دستور ٢٠١٤ قابلة للتطوير وفقًا للمادة ٢٤٨، ورؤية لمصر وما سوف تكون عليه فى ٢٠٣٠. واعتبارًا من العام المالى ٢٠١٤- ٢٠١٥ حتى العام المالى الحالى ٢٠٢٢- ٢٠٢٣، لم يحدث فى أى عام إلا أن مصر نمت نموًّا إيجابيًّا، وبلغ الناتج المحلى الإجمالى ضِعف ما كان عليه خلال نقطة البداية. وحدث ذلك رغم المواجهة الشجاعة لثلاث أزمات كبرى: الإرهاب، جائحة الكورونا، والأزمة الأوكرانية.

الفلسفة، التى قام عليها المشروع الوطنى المصرى، جاءت من حقيقة أنه خلال العقدين الأخيرين نجح ملياران من البشر، معظمهم من الصين والهند، فى العبور من الفقر إلى الستر، ومن العسر إلى اليسر، وجرى ذلك من خلال عملية بناء ذات آلام قاسية. وإذا كان ذلك ممكنًا فى آسيا وفى مناطق أخرى من العالم، فإنه من الممكن أن يحدث فى مصر. ومن الخبرة العالمية إلى الخبرة المحلية، التى جاءت من دراسات كثيرة وُضعت فى أدراج السلطة السياسية والبيروقراطية، انطلق المشروع الوطنى المصرى من خلال محركات قوامها تغيير الجغرافيا التنموية المصرية من النهر إلى البحر، واختراق الإقليم المصرى من سيناء إلى الصحراء الغربية، وإدارة الثروات المصرية الكبيرة وليس إدارة الفقر، والتنمية من أجل التصدير فى منابع الاقتصاد الحقيقى فى الزراعة والصناعة والخدمات. ويجرى كل ذلك من خلال دولة وطنية يعيش فيها مواطنون متساوون فى الحقوق، وتجديد أصيل للفجر الدينى، وتطور حقيقى فى الفكر المدنى، مع بناء قاعدة تعليمية وعلمية ترفع من قدرات التنمية المصرية إلى أفاق جديدة لم تعرفها من قبل.

إذا كان ذلك قد جرى، فلماذا إذًا تعيش مصر الآن فى أزمة؟، والإجابة عن هذا السؤال لها أكثر من جانب: أولها أن الفترة الزمنية لوصول المشروع الوطنى إلى مبتغاه لم تنتهِ بعد، فموعدنا هو عام ٢٠٣٠، حيث ننتهى من ثلاثة ملايين فدان جدد، واستكمال عمل ١٧ منطقة صناعية، ومناطق خدمية ولوجستية فى كمال الساحة المصرية، ويتخرج أبناء القاعدة العلمية، وثانيها أن الأزمات المشار إليها أعلاه لم تكن بلا ثمن، وآثار بعضها ظاهر فى بلاد العالم من الولايات المتحدة إلى الصين، وثالثها أن العمل بمثل هذا الطموح والنطاق انتابته أخطاء ذات طبيعة نقدية ومالية واقتصادية فى العموم، اتبعت تقاليد عرفتها مصر خلال العقود الماضية، وأخذت بنا إلى ذات الموقف الحرج، الذى يتطلب مراجعة لسياسات ومؤسسات ليس فقط حتى لا يتكرر ما حدث مرة أخرى، وإنما يأخذ بنا إلى المرحلة المقبلة بقدرات أكثر صحة وعافية. وبصراحة، فإن أساس البنيان الاقتصادى فى مصر قوى، وتوجد الشجاعة الكافية لتصحيح المسار، ويجب ألّا يحدث فى هذا الجيل إخفاق تاريخى آخر كما حدث خلال قرنين من التحديث!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشروع الوطنى المصرى المشروع الوطنى المصرى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon