توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحلقات المفقودة في الرأسمالية المصرية

  مصر اليوم -

الحلقات المفقودة في الرأسمالية المصرية

بقلم - عبد المنعم سعيد

فى واحدة من جلسات مجلس الشيوخ لمناقشة قانون خاص بالعمل، طلبت من الزميل رجل الأعمال أن يعبر عن آرائه مباشرة فى الجلسة العامة التى تناقش كما هى العادة القانون «من حيث المبدأ»، ثم بعد ذلك تجرى مراجعة مواد القانون واحدة بعد الأخرى حتى يجرى إقراره أو رفضه. لم يُصغ الزميل لما طرحته عليه، مؤكدًا أنه فى الواقع العملى فإن صاحب العمل يعطى ما هو أكثر من المزايا التى يسعى إليها القانون لأنه الأقرب إلى الواقع، ويعرف نوعية الحوافز التى تزيد الإنتاجية وبالتالى ترفع التصدير. لم يكن ذلك جديدًا فى التجربة النيابية الحالية، ولا تلك التى شاركت فيها من قبل من خلال «مجلس الشورى»، والتى تجاورت فيها مع رجل الأعمال القدير، محمد فريد خميس، رحمه الله، المسؤول عن لجنة الصناعة، وكان عليه إعداد تقرير عن «تعمير سيناء». ولفت نظرى أن المشروع المقدم وقتها وضع دور «القطاع الخاص» فى آخر قائمة المطلوب منهم المشاركة، وفى عبارة مقتضبة بدَت لى ساعتها كما لو كانت نوعًا من إبراء الذمة وليست دعوة إلى دور محدد وواسع.

وقبل أسبوعين، كتبت فى هذا المقام مقالًا عن مذكرات د. رؤوف غبور «خبرات ووصايا»، التى حكى فيها عن تاريخ رأسمالى مصرى خلال العقود الأربعة الماضية. وكان أهم ما لفت نظرى فى المذكرات التقييم الذى قدمه للشركات الخاصة المصرية، التى رأى أن عدد ما ترتقى فيها إلى المستويات العالمية فى التنظيم والعمل والحداثة فى الرقى والحوكمة والشفافية لا يتعدى عشرًا فقط من الشركات. وللأسف، فإنه لم يتفضل بأسمائها، والمرجح أن ذلك كان لكى لا يجرح أو يصنف طرفًا فى السوق المصرية قد لا يحب ذلك ولا يرغب فيه.

ولكن بعيدًا عن الحساسيات الشخصية، فإن هذه المعلومات بالغة الأهمية لما يجرى فى مصر الآن من دعوة إلى دور أكبر للقطاع «الخاص» أو «رجال الأعمال»، وكلاهما يُستخدم بديلًا لصفة الرأسمالية، التى تُعد فى كل بلاد العالم المتقدم أو الساعى للتقدم الحلقة الرئيسية فى عملية التغيير والابتكار والتحديث. ورغم السمعة غير الحميدة عن الرأسمالية فى المجتمعات التى جنحت إلى الجانب الاشتراكى أو أخذت جانب البلدان الاشتراكية فى مسيرتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فإنها فى الواقع كانت الآلة الأساسية فى عملية التقدم الإنسانى عبر الثورات الصناعية المختلفة خلال القرنين الماضيين. وفى الوقت الراهن فإنها باتت المفتاح كما حدث فى التجارب الآسيوية المختلفة لما جرى فى بلدان اشتدت فيها حالة البؤس وأحيانًا المجاعة إلى تخريج ما هو أكثر من مليار نسمة من دائرة الفقر إلى الستر والغنى. الصين والهند ودول أخرى فى هذا المجال أصبحت مشهورة بتجربتها الرأسمالية سواء من حيث التنظيم الاقتصادى أو الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية الرئيسية، أو من تصدير منتجاتها الصناعية بكثافة إلى الخارج. فى الدول الغربية المتقدمة انتقلت الطبقة الرأسمالية من حالة إلى أخرى، بدأت بتصنيع المنتجات الزراعية للغزل والنسيج وما أشبه، ثم الصناعات التحويلية من حديد وصلب وألومنيوم وأسمدة وغيرها غيّرت فيها العالم كله فى الإنتاج والاستهلاك معًا. المرحلة الجديدة من الرأسمالية فى المجتمعات المتقدمة أو الساعية للتقدم تراجعت فيها شركات السيارات والنفط، التى سادت فى العقود الثالثة التالية للحرب العالمية الثانية، لكى تحل محلها الشركات «الرقمية» و«الافتراضية»، مثل «أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون» وكل مَن عبر التريليون دولار من حيث القيمة السوقية.

الآن فإن إدراك هذه القيمة التاريخية للرأسمالية داخل مصر فرض نفسه فى الاجتماعات التى أجراها الرئيس السيسى مع مجموعات من رجال الأعمال، والدعوة المستمرة منه ومن رئيس الوزراء إلى المزيد من المشاركة فى العملية التاريخية الجارية فى مصر الآن، وبما كانت له من محورية فى الحوار الاقتصادى، ومن بعده على الأرجح خلال الحوار الوطنى. الحلقة المفقودة الأولى أنه وسط كل هذه الدعوات لا نكاد نسمع صوتًا، أو نرى صورة، لهذه الجماعة المُقدَّر لها أن تكون فى قلب عملية الانتقال من حالة الجمهورية المصرية التقليدية القائمة على إدارة الفقر إلى الحالة المتقدمة فى الجمهورية الجديدة القائمة على إدارة الثروة. والحلقة الثانية أنه وسط الترحيب الكبير بدور مهم للقطاع الخاص فإننا لا نعلم الكثير عن الدور الذى قام به هذا القطاع فى بناء المدن المصرية الجديدة، أو المشاركة فى إنشاء أنفاق قناة السويس العملاقة، أو كافة المشروعات العملاقة الأخرى. والحلقة الثالثة أن المنظمات المعبرة عن رجال الأعمال، مثل اتحاد الصناعات والغرف التجارية- وجميعها لها اجتهادات مهمة تعبر عن خبرات تاريخية وعالمية فى مجالات الإنتاج الصناعى والزراعات الحديثة والسياحة والتصدير- لا تجد لها منفذًا إلى الساحة الإعلامية المصرية. والحلقة الرابعة أن هناك القليل من الدراسات التى تُقيِّم أداء الرأسمالية المصرية خلال العقد الأخير من حيث قدراتها التنظيمية والتكنولوجية وقدراتها العامة المرتبطة بالعالم الحديث.

التعامل مع هذه الحلقات الغائبة جوهرى للمشروع الوطنى المصرى الحالى، الذى يمكن تفصيله فى السعى الدؤوب لبناء جمهورية جديدة ومتقدمة على النمط الذى سارت على دربه دول نامية مثلنا سواء كان ذلك فى آسيا أو فى قارات أخرى. هى جمهورية قادرة على التعامل مع حقائق العصر المتجسدة فى الداخل بعدد كبير من السكان؛ وفى الخارج مع عالم مضطرب ومتعدد الأزمات الدولية والعالمية. لتحقيق ذلك منطقيًّا، ونحن على بُعد ثمانى سنوات من إنجاز رؤية مصر ٢٠٣٠، نحتاج معدلات للنمو لا تقل عن ٧٪ سنويًّا؛ وهذه لن تحدث دون تعبئة موارد هائلة تأتى من كافة القطاعات الإنتاجية المصرية سواء جاءت من الدولة أو القوات المسلحة أو القطاع الخاص. مصر دولة كبيرة بسكانها ومساحتها وشواطئها، التى لا يمكن استغلالها دون دور محورى لرأسمالية مصرية قادرة وفاعلة ومشارِكة وغير مرتعشة.

ولكن الأمر لا يتوقف فقط على حدود الرأسمالية المصرية الحالية، التى نمَت خلال العقود الأربعة الماضية؛ وإنما بتوسيع وتشجيع التوسع فيها بعمليات الإدماج لإقامة شركات عملاقة تكون قادرة على البحوث والتطوير والمنافسة فى السوق العالمية. أو أن يكون ذلك من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة بالمعنى العالمى، الذى يتيح النمو المستمر إذا ما كان مستجيبًا للعملية التاريخية للانتقال من النهر إلى البحر، والجارية فى مصر الآن. مثل ذلك ممكن بنقل ملكية المزارع السمكية والصوب الزراعية والوحدات الخدمية إلى القطاع الخاص؛ أو من خلال اتباع المنهج الذى سنّته مارجريت تاتشر فى بريطانيا بطرح الشركات العامة كأسهم للشعب المصرى من خلال البورصة المصرية لكى تكون هناك بالفعل ملكية «عامة» للمصريين فى الأصول المصرية. لتكن المرحلة الحالية من المسيرة المصرية تجاوزًا لصعوبات جارية؛ وثورة على تقاليد مصرية طالت سلبًا القطاع الخاص والرأسمالية المصرية خلال العقود الأخيرة. لقد عوّدنا الرئيس السيسى على كثير من القدرة على الإنجاز، والآن جاء وقت مرحلة جديدة منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلقات المفقودة في الرأسمالية المصرية الحلقات المفقودة في الرأسمالية المصرية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020

GMT 15:28 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تعيين تركي آل الشيخ رئيسًا للاتحاد العربي لكرة القدم

GMT 16:33 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

جلوس صيف 2016 تتألق باللون الرمادي

GMT 17:06 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

لطيفة تطرح كليبها "الأستاذ" برفقة شقيق أمير كرارة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon