توقيت القاهرة المحلي 12:05:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النصر والهزيمة فى أوكرانيا

  مصر اليوم -

النصر والهزيمة فى أوكرانيا

بقلم - عبد المنعم سعيد

نُعلم طلابنا فى دراسة العلاقات الدولية أن هناك ضرورة لاستبعاد «الضجيج» و«الضوضاء» من عمليات التحليل الاستراتيجى حتى يتبين الخيط الأبيض من ذلك الأسود وقت ظهور فجر الحقيقة. المحللون العسكريون كثيرًا ما يحذرون من «ضباب» الحرب حتى لا تغشى العيون عن رؤية الواقع كما هو وليس كما دخل فيه من التباسات حقيقية أو مصنوعة. ورغم أن كل ذلك كان صحيحًا فى كل عصر، فإنه أكثر صحة فى زمننا، حيث ثورة الاتصالات غامرة بالأنباء التى تصير معلومات، والصور التى تحمل غيومًا فكرية، وأحيانًا تأتى المعرفة مختلطة بكثير من الغمر، الذى تتوه فيه الأحجام والأحكام. الحرب الأوكرانية جاءت وسط كل ذلك، وثبت فيها أن الإعلانات الروسية عن أن الحشود العسكرية محض رادع لإمكانية تواجد قوات حلف الأطلنطى على الأراضى الأوكرانية كانت فى النهاية كاذبة. كان تعريف القضية قائمًا على أن التعبئة الروسية تأتى فى إطار استمرار الحرب الباردة القديمة، التى دلل عليها وجود الحلف الذى وُجد لكى يحاصر الاتحاد السوفيتى سابقًا وروسيا التى باتت الوريث الشرعى للإمبراطورية الآفلة.

إعادة صياغة الماضى على ضوء الظروف الراهنة وسيلة مألوفة لتركيب القصة الحالية بحيث تبدأ بالردع، ثم يصير الهجوم الفعلى محض «عملية عسكرية خاصة» للإيحاء بأنها ليست غزوًا شاملًا جاء من ثلاثة محاور للاختراق والسيطرة على دولة كاملة. دارت الأمور بعد ذلك دورة كاملة من الغزو الشامل إلى التراجع عند أبواب العاصمة «كييف» إلى التمدد شرقًا وجنوبًا من قِبَل القوات الروسية لكى يغير من تعريف الحرب الجارية لكى تكون دفاعًا عن جماعات سياسية أوكرانية تسيطر على إقليم «الدونباس»، والتى أعطت نفسها حق تقرير المصير أولًا ثم بعد ذلك ثانيًا حق الانضمام إلى روسيا من خلال استفتاء مخجل انتهى كما كانت الاستفتاءات تنتهى فى روسيا السوفيتية، حيث النتيجة ٩٨٪ لصالح الاستقلال والضم. ومرة أخرى يأتى الهجوم الأوكرانى المضاد لكى يقلب الصورة رأسًا على عقب.

استيلاء القوات الأوكرانية على مدينة «خاركيف» فى الشمال الشرقى لإقليم الدونباس وتراجع القوات الروسية من مناطق عدة لم يحسم الحرب فى الطريق المضاد. صحيح، كشفت هزيمة أوكرانيا المستمرة للقوات الروسية فى الشرق عن مشاكل أساسية داخل الجيش الروسى، بما فى ذلك أوجه القصور والصراعات على السلطة فى هيكل قيادتها والثغرات فى جمع المعلومات الاستخبارية ومعالجتها. وعلى الرغم من أن إخفاقات روسيا المبكرة وصعوبة تجنيد عدد كافٍ من الجنود للجبهة كانت واضحة منذ شهور، فإن العملية الأخيرة تُظهر عمق الفوضى والركود فى القوات المسلحة الروسية. أظهرت عملية خاركيف قدرة الجيش الأوكرانى على الاستفادة من أوجه القصور هذه لاستعادة ليس فقط الأراضى، ولكن مراكز النقل وإعادة الإمداد ذات الأهمية الاستراتيجية للجبهة الشرقية للجيش الروسى. ولكن الحرب لم تنته بعد، ولا تزال روسيا تسيطر على حوالى 20% من أراضى أوكرانيا، ويستمر القتال فى جنوب أوكرانيا بالقرب من خيرسون وفى دونباس، حيث أرسلت روسيا جنودها الأكثر خبرة قبل هجوم خاركيف، وبدأت خطوات تعبئة ٣٠٠ ألف جندى جدد.

تعريف النصر والهزيمة فى هذه الظروف يبدو مستحيلًا، وكثرة المقالات والتحليلات فى الصحافة الغربية التى تتحدث عن الهزيمة الروسية والأزمة الجارية داخل الكرملين ربما تكون مبكرة للغاية، ولا تزال القدرات الأوكرانية بعيدة عن نقطة التوازن مع القدرات الروسية. ما حدث فعليًّا هو ارتفاع تكلفة الغزو الروسى لأوكرانيا عما كان مُقدَّرًا من قبل فى الأرواح والمُعَدات، وأكثر من ذلك الأسواق والعلاقات الطيبة مع دول أخرى. نتائج الحرب على الصعيد العالمى مدمرة لبناء «العولمة» وخطط التنمية فى غالبية دول العالم تعرضت لخطر وألم بالغ. لم تعد الحرب من أجل إحراز النصر أو تجنب الهزيمة، وإنما التكلفة الاقتصادية والأمنية التى تجعل النتيجة خسرانًا مبينًا لكل دول العالم تقريبًا، والتى لا يبدو أن أحدًا نجا منها. الخسارة التى لا تقل قيمة عن كل ذلك هى أن قضايا الكوكب الراهنة، التى عبرت عنها فيضانات باكستان وأعاصير فلوريدا الأمريكية، أصبحت رهينة حرب عبثية تدفع إلى الصفوف الأولى فى دول عديدة قوافل اليمين المتعصب، الذى يأخذ آلام الحرب إلى أعتاب حروب على الهجرة واللجوء. النتيجة عالم مهزوم فى آفاق تطلعاته إلى أن يكون القرن الواحد والعشرون شاهدًا على قدرة البشر على إنقاذ الكوكب والتمتع بحياة أكثر جمالًا وتسامحًا وسعادة، فهل يمكن لمصر المستضيفة COP27 مع دول مثل الهند والصين أن توقف الحرب التى لن يكون فيها لا منتصر ولا مهزوم؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النصر والهزيمة فى أوكرانيا النصر والهزيمة فى أوكرانيا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon