توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كم من العصافير يصطاد الحجر؟!

  مصر اليوم -

كم من العصافير يصطاد الحجر

بقلم - عبد المنعم سعيد

نعرف جميعا ذلك المثل عن مهارة الرجل الذى اصطاد عصفورين بحجر واحد. فى الواقع العملى فإنه يمكن للأكثر حكمة وموارد أن يصيب عدة عصافير بحجر واحد؛ والمثال هنا انعقاد "مؤتمر الإعلام العربي" فى مدينة دبى خلال الفترة من ٤ إلى ٥ أكتوبر الحالي. وهكذا بدأت قوافل من الإعلاميين والصحفيين بالتوارد على المدينة التى بات صيتها ذائعا بين مدن العالم المرموقة بدءا من اليوم السابق لبدء المؤتمر الذى يعقد للمرة العشرين. كان ذلك عصفورا أول جرى اصطياده، فأن تعقد مؤتمرا بحضور مئات من هؤلاء المدربين على الجدل وطرح الأسئلة، وأن يحدث ذلك عشرين مرة، هى مهارة لا يمكن إغفالها للدائرة الإعلامية فى دبى التى تضم عددا من المؤسسات الماهرة، والتى لها قدرة على العمل فى تناغم تام. الدعوة وترتيبات السفر والإقامة جرت بسلاسة، ورغم أن الجهة المضيفة تكفلت بجميع مصروفات السفر والإقامة وموائد الشاى بين الجلسات وبكرم عربى حاتمى – نسبة إلى حاتم الطائى العربى الكريم – فإن عصفورا آخر سقط مع إضافة فوج إضافى من السائحين إلى المدينة المجهزة بكل أدوات جذب الضيوف وإلى إنفاق ما طالبت به زوجاتهم من خلال قوائم مجهزة. لم يعد معروفا عن دبى التى عرفتها منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى أنها رخيصة السلع، ولكن الحال الآن هى أن المدينة انضمت إلى قوائم المدن الأكثر تكلفة لأن النوع غلب الكم، والبضائع الآسيوية لم تعد غالبة وإنما منتجات أوروبية أنيقة، وباختصار "سينييه" أى "براند" مرموق. من الصعب حساب الدعم الذى تلقته دبى من الصحفيين والإعلاميين العرب لناتجها من السياحة؛ ولكنه شكل خصما من قدراتهم المالية لأن عملية التسوق بدأت فور الوصول.

ما دفع إلى هذا التفكير السياحى حتى قبل أن تبدأ فعاليات المؤتمر تقرير قرأته فى القاهرة عن السياحة فى المنطقة العربية وضع مصر فى المرتبة السادسة بين الدول العربية وفى المقدمة وقعت السعودية ومن بعدها الإمارات. ما كان دافعا على الغضب هو أن سوريا بكل ظروفها القاسية المعروفة شغلت المرتبة الخامسة، وهو ما وضع بعضا من الشكوك على نزاهة التقرير. ولكن سبق السعودية والإمارات كان مفهوما، وفى هذه الأخيرة وقعت دبى التى يزورها ٢٠ مليونا من السائحين من ٣٠ مليونا إجمالى العدد الذى يزور الإمارات. هنا فإن مؤتمرنا بات جزءا مما يقال عنه سياحة المؤتمرات التى إذا ما حسبت فى أى ساعة من ساعات النهار والليل فإن هناك مؤتمرا ما يجرى تداول أعماله، وقبلها فإن المطار جاهز للاستقبال، والفنادق معدة للترحيب، وفى المؤتمر نفسه تجرى عملية التسويق للمدينة الزاهية. فقبل أن تبدأ جلسات أولى الفعاليات انتشر الصحفيون من الآلة الإعلامية للمدينة تسأل عن المؤتمر، وعن الانطباع عن المدينة، وعما إذا كان ذلك سوف يكون له تأثير فى مصير المنطقة والحرب الأوكرانية. وقبل أن تلتقط أنفاسك وخلايا عقلك من جهد التفكير، فإنك سوف تعلم أن الموبايل الذى ظننت أنه يسجل الحديث هو فى الحقيقة ينقل فورا حديثك "ستريم" من مدينة دبى إلى العالم أجمع. هنا مجمع من العصافير التى جرى اصطيادها فى مؤتمر واحد يقوم بمهمة صعبة لإتمام التواصل بين الإعلاميين العرب، ومراجعة أحوال المهنة التى كانت حرجة قبل «كوفيد ١٩» والآن فإن حرجها أكبر ليس فقط مع الأزمة الأوكرانية، وإنما أن قضية القضايا لم تعد علاقة الصحافة المطبوعة بالصحافة الرقمية، وإنما مواجهة كلتيهما مع صحافة «الميتافيرس». هذه عرفتها جماعة أنها تضع نهاية لعصر الإنترنت؛ وقيل فى وقت آخر إنها مجرد مرحلة متطورة منه حيث يضاف الذكاء الاصطناعى ويصبح «العالم الافتراضى» واقعيا من خلال خوارزميات يتجسد فيها «آفتار» يتفاعل بالنيابة عن الشخص الذى بدأ هذا الحوار منذ البداية.

عند هذا المنعطف فإن شجرة ضخمة ممتلئة بالعصافير جرى اصطيادها بحجر واحد أو بطلقة واحدة إذا شئت؛ فلم يعد «إنترنت الأشياء» هو الذى يؤدى إلى التواصل ما بين أجهزة مختلفة، وإنما بدأ التواصل يجرى بين عقول بشرية فى وقت واحد. هى مسألة عصية على الفهم، ولا أدرى شخصيا إذا ما كان الحضور قد استوعبوا الموضوع؛ ولكن جلسة عن الصحافة المصرية ربما وضعت أوصافا دقيقة وواقعية لحال الصحافة المصرية وهو ما كان فيه الكثير من الشجاعة. الجلسة الأخرى عن الصحافة اللبنانية والإعلام اللبنانى كان فيها الكثير من تهنئة الذات لأن الصحفيين والإعلاميين اللبنانيين واصلوا الإبداع مهما كان الحرج فى الحالة اللبنانية حادثا. لم يطرح أحد عما إذا كان أحدا مسئولا عن أوضاع وطن عظيم؛ ولا كان أحد جاهزا للمشاركة فى إنقاذه أو التوصية بهذا الإنقاذ، فقد ثبت مع نهاية الحديث أن إنقاذ الذات كانت له أولوية يمكن تفهمها فى الأمور الإنسانية. عند مواجهة أحوال الإقليم بدا ما فيه من تقارب وسعى للتهدئة كما لو كان جملة اعتراضية فى مزاج متشائم ظهر ساعتها أن الخروج من حالة الاستقطاب الصحفى الحاد لا يريد أحد تركها واستبدالها بأحوال أكثر سعادة، أو يكون فيها ممكنا اقتراح ما يجمع، وترك ما يفرق. فقد هذا العصفور كثيرا من طاقاته خلال الشهور الأخيرة، ولكنه أثبت أنه بقدر ما لا يجيد عرب الكلام الصراع، ولا يعرفون كثيرا عن إدارة التوتر، ولديهم كذلك معضلة كبرى مع ثقافة التصالح. الأمور فى النهاية أبيض وأسود، ولكن مدينة دبى عند برج خليفة وما حوله فيها بهجة ملونة تضج بالحياة. وفى الليلة الثانية قبل العشاء عرفنا خبرا أن دولة الإمارات بسبيلها الذهاب إلى القمر والمريخ، كان العصفور طائرا محلقا هذه المرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كم من العصافير يصطاد الحجر كم من العصافير يصطاد الحجر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon