توقيت القاهرة المحلي 11:59:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر الخضراء

  مصر اليوم -

مصر الخضراء

بقلم - عبد المنعم سعيد

في مطلع تسعينيات القرن الماضي كانت نصيحتي للزميل والصديق د. جمال عبدالجواد وهو في طريقه إلى الولايات المتحدة للدراسات العليا والحصول على الدكتوراه من جامعة شمال إيلينوي أنه لابد وأن يتعلم الكتابة على الآلة الكاتبة. حكيت له كيف أن المشرف العلمي على دراساتي المشابهة قبل ذلك بسنوات البروفيسور "مارتن دافيد ديوبن" عندما علم بجهلي في استخدام الآلة قال لي إن معني ذلك أنك لم تدخل الثورة الصناعية الأولي بعد. وقتها لم أكن بذلك الحماس والسماع للنصيحة التي كانت لدي صاحبي عندما مضيت في الطريق المرهق الذي يقوم على تدوين المعلومات ثم كتابتها باليد، والدفع لمن يقوم بكتابتها على الآلة العجيبة. وعندما جاء وقت رسالة الدكتوراه بات الإرهاق أكثر حيث كان من الطبيعي أن يكون هناك أكثر من مخطوطة، وكل مرة تأتي التعديلات عليها، وعندما انتهي الموضوع وبت متأهبا للدفاع عن الرسالة كانت التكلفة عالية، والزمن مضاعفا. العجيب أنه في ذلك العام ١٩٨٢ كان الكمبيوتر الشخصي قد جاء إلى السمع، وخوفا من هذا التطور التكنولوجي المذهل، دفعت ما هو أكثر لوضع رسالتي على أسطوانات عندما وصلت إلي عن طريق البريد الطائر، وكان على استلامها من قرية البضائع، وهناك أخبروني أنه على استلامها من هيئة المصنفات الفنية، فلم تكن أطروحات الدكتوراه هي التي توضع في الأسطوانات، وإنما الأغاني وأمور أخري أكثر بهجة. كان هناك الكثير من التعنت من جانبي، أو ما عرفت عنه فيما بعد بالفجوة النفسية التكنولوجية عندما يرتعب الإنسان من خوض تطور تكنولوجي بعينه. وفي عام ١٩٨٧/١٩٨٨ ذهبت إلى الولايات المتحدة في مؤسسة "بروكينجز" زميلا باحثا أكتب وأنشر عن مصر والشرق الأوسط والعلاقات المصرية الأمريكية. كان العالم قد تغير تماما، واختفت الآلة الكاتبة وحل محلها "الكمبيوتر" الشخصي والذي فيه معامل الكلمات Word Processor. كانت الآلة العجيبة واقعة على مكاتب الزملاء؛ ولولا أن صديقي د. "وليام كواندت" أنقذني بتوفير سكرتير يقوم بالمهمة لعدت إلى القاهرة في اليوم التالي.

استغرق استيعاب عبور الفجوة النفسية التكنولوجية عامين آخرين حتى أغراني صديق وقريب أثناء عملي بالديوان الأميري في قطر بشراء واستخدام الكمبيوتر "آبل"، وخلال أسبوع انتقلت من كوني أحد منتجات ما قبل الثورة الصناعية الأولي، والأرجح أنتمي إلى زمن الثورة الزراعية، إلي الثورة الصناعية والتكنولوجية الثالثة مرة واحدة. تغيرت حياتي تماما مثلما لم تتغير منذ تعلمت قيادة السيارات، وعندما أصبحت مديرا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في عام ١٩٩٤، كان "رقمنة" المركز أول القرارات التي اتخذتها. وبعد ذلك بخمسة عشر عاما عندما تشرفت بإدارة الأهرام كان ذلك هو أول القرارات التي اتخذتها أيضا فلم يكن ممكنا أن تتحول الصحيفة العريقة إلى شركة إعلامية كبري MEDIA COMPANY وهي التي كانت من أدخل طرق طباعة الثورة الصناعية الأولي والثانية إلى مصر، والتي كان بها أول كمبيوتر Main Frame تملكه مؤسسة مدنية في القطر. كانت الأحلام كبيرة، ولكن الزمن لم يكن مناسبا فبعد إنجازات مهمة كانت مصر قد تغيرت؛ ولكن القصة كلها بقيت تحكي ليس فقط علاقة فرد مع الثورات الصناعية المتتابعة، وإنما حكاية أمة تأخرت وترددت في اللحاق بكل ثورة، وما حصلت عليه منها كان فيه انتظار لأجانب يعلموننا كيف نلحق بتطبيقاتها.

المناسبة هنا خبر مهم جاء بعد نشر مقالي السابق عن "مصر المحروسة" الذي طالبت فيه بأنه ينبغي هذه المرة ألا تبعد مصر عن الثورة التكنولوجية الرابعة وفي القلب منها الثورة الخضراء التي تعد من أهم منجزات المشروع الوطني المصري الممتد منذ ثورة يونيو ٢٠١٣. الخبر ذكر أن مصر وقعت على اتفاقيات تبلغ قيمتها ٨٣ مليار دولار، وكلها تدور حول الأشكال المختلفة للثورة المختلفة بأشكالها المختلفة. جري ذلك مع شركات تنتمي إلى العالم كله، فيها دول عربية وأخري أوروبية وثالثة آسيوية ورابعة أمريكية أيضا؛ وفي مجموعها تغطي الزمن من الآن وحتى أوائل العقد القادم. مثل ذلك انتصارا كبيرا لمصر وقيادتها السياسية والتكنوقراطية في مجالات متنوعة، والتي قدمت ما يكفي لشركات عالمية كبيرة من إبداء الاستعداد لإنتاج ما يلزم على أرض مصر وبعقول وسواعد مصرية؛ وشهادة على النجاح الكامل لعقد مؤتمر التغيرات المناخية "كوب ٢٧" على أرض مصر الذي سوف تفخر به أجيال مقبلة.

توقيع هذه الاتفاقيات وإنفاق هذا القدر من الاستثمارات خلال فترة زمنية تقل عن عشرة أعوام يمكن أن يكون هو موعد القفزة الكبرى في التنمية المصرية وانتقال مصر من عالم الدول النامية إلي دنيا الدول المتقدمة. علينا إدراك أنه خلال ذات الفترة سوف تكون استثماراتنا الحالية في مجال العلوم والتكنولوجيا في جامعات حديثة ومراكز للعلوم والتجارب العلمية قد نضجت هي الأخرى؛ ومع ذلك سوف تكون البنية الأساسية المصرية قد وصلت إلى مستويات عليا من الكفاية بما فيها البنية الأساسية للثورة الرقمية السابقة. القضية هنا هي أن هذه الاتفاقيات ليست نهائية ولا هي تعاقدات ملزمة، وكثير منها تعبير عن نيات، ومذكرات للتفاهم؛ وبالتأكيد أن ذلك لا يقلل من مصداقيتها، ولكن المصداقية هي عملية مستمرة يتم تأكيدها من خلال الاستمرار في تعميق عمليات الإصلاح الاقتصادي المالي والنقدي والإنتاجي الجارية. وبصراحة فإن العالم لا يعطي مثل هذه الفرص لمن ليس جاهزا لها، وهناك كثير من المتسابقين على هذه الفرص، وما علينا إلا أن نعض عليها بالنواجذ؛ ولا نضع هؤلاء الذين وثقوا فينا في يد بيروقراطية عتيقة، وغابة من القوانين التي يحتار فيها المصريون فكيف بهؤلاء القادمين من أكوان أخري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر الخضراء مصر الخضراء



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon