بقلم - عبد المنعم سعيد
لا يملك الإنسان إلا أن يصيبه الدوار من كثرة ما نشر أخيرا عن "هنرى كيسنجر" وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى الأمريكى خلال فترة إدارتى نيكسون وفورد بين عامى ١٩٦٨ و١٩٧7. وعندما وصلت إلى الولايات المتحدة بعد ذلك بعام لدراسة العلاقات الدولية وجدت نفسى كما لو كنت أدور فى مدار فلكى لا يمكن الخلاص منه لأن الرجل جمع بين الحسنيين: أن يكون سياسيا بارزا، وأن يكون عالما فذا فى فهم العالم. ولم يكن ذلك سوى صفات أولية، فهو رجل لامع لمعان علم العلاقات العامة، وله فى حسن النساء نصيب، وما أن يلم بالعالم أزمة مروعة فإن الصمت يظل مسدلا على كل التوقعات حتى يأتى له مقال، أو ينجح صحفى فى الحصول على قول. كان اقترابه من قضية الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر قد صار قضيتى الأساسية، ورسالتى للدكتوراه التى اقتضت أن أغوص فى الرجل وما كتبه بحثا عن «الخريطة الذهنية» التى أدار بها الأزمة والمفاوضات. كنت متأثرا بما قاله الأستاذ هيكل عنه بأنه نجح فى أن يُوجد لغة مشتركة بين أطراف الصراع من أول «عملية السلام» حتى سياسة "الخطوة خطوة". وعندما كتبت الرسالة كنت أكافح كما فعلت مع الأستاذ هيكل أن يطول بى البقاء فى مدار فلكى لمدة طويلة.
المناسبة العالمية للاهتمام بكيسنجر الآن صارت أنه بلغ المائة عام، ورقم المائة بالمناسبة مهم بالنسبة للرجل حيث كان كتابه الأول، ورسالته للدكتوراه، عن «استرداد العالم»، وقصته هى نجاح الساسة فى الحفاظ على السلام فى أوروبا لمائة عام (١٨١٥ مع انتهاء الحروب النابوليونية وحتى ١٩١٤ نشوب الحرب العالمية الأولي). إنتاج الرجل عن النظام الدولى لم يتوقف أبدا، وآخر ما قرأت له كان كتاب «القادة» الذى أعطى فيه فصلا مهما للرئيس السادات رأسا برأس مع عظماء العالم مثل أديناور الألمانى وديجول الفرنسى وكوان يو السنغافورى وجماعتهم غيرت العالم بشكل أو آخر.