توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى مسألة الجُزر المنعزلة

  مصر اليوم -

فى مسألة الجُزر المنعزلة

بقلم - عبد المنعم سعيد

ليس مقصودًا هنا بالجزر أرضًا محاطة بالمياه من كافة الاتجاه، وهى في العادة مثالية للسياحة أو التطوير العقارى عالى القيمة مثل جزيرة الوراق لكى تكون مثل «مانهاتن» الواقعة في نيويورك. ولا الجزر المنتشرة في العالم مثل «فيجى» و«جاميكا» و«سيشل» والمعرضة للغرق بفعل ارتفاع مستوى المياه في المحيطات. ما نقصده نوع آخر من الجُزر التي هي مؤسسات متباعدة لا تتفاعل مع بعضها، مهما كان في ذلك إضرار بالمصالح العامة. والقصة هكذا تحتاج بعضًا من التوضيح: على مدى عام شاركت في برنامج تلفزيونى- «المشهد»- مهمته مناقشة القضايا العامة من خلال خبراء ومختصين وعاملين في مجالات القضية. شغل الاقتصاد جزءًا مهمًّا من الاهتمام؛ ورغم الحرب الأوكرانية لم يكن ممكنًا تجاهل أولًا أن المشاهدين يفضلون القضايا الداخلية، وثانيًا أنهم كثيرًا ما يلحون على كفاءة التعامل مع القضايا المتنوعة. كان المنطق بسيطًا، وهو أنه من الممكن تفهم المشكلات الناجمة عن نقص الموارد، أو الظروف الدولية المعاكسة؛ أما الذي لا يمكن تفهمه فهو تواضع المنتج كمًّا أو نوعًا لضعف عمليات الاتصال بين الأجهزة المختلفة المعنية.

والحقيقة هي أنه لا يمكن أن يكون هناك الكثير من القضايا أكثر أهمية من «الدواء» التي أحيانًا ما تعتبر «قضية أمن قومى» ذات علاقة بالحياة والموت. والدواء هو «مواد كيماوية أو مركبات تستخدم في علاج المرض أو إيقافه أو الوقاية منه أو تساعد على تشخيص الأمراض». وهو هكذا مرتبط بصحة المواطن ويكون موضوع «السياسات العامة» للدولة. هي «عامة» لأنه ينظمها «الدستور»- المادة ١٨ من الفصل الأول- وأتى فيه أن لكل مواطن الحق في الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة؛ وأيضا شغلت مكانًا مرموقا في «رؤية مصر ٢٠٣٠» حيث «يتمتع كافة المصريين بحياة صحية سليمة آمنة». الأهداف الاستراتيجية هي: الاهتمام بكل ما يؤثر في صحة المصريين من محددات اجتماعية وبنية تحتية؛ وتحقيق التغطية الصحية لجميع المصريين مع ضمان جودة الخدمة؛ وحوكمة قطاع الصحة بحيث تؤدى إلى اتخاذ قرارات سليمة.

وكما هو الحال في جميع السياسات العامة فإن الدواء يحتوى على ثلاث مسائل: أولاها أنه مسألة علمية فلا يقوم دواء دون البحث العلمى المستند إلى نخبة من المتميزين في مؤسسات صحية وعلمية متميزة في جمع المعلومات وتصنيفها واستخلاص النتائج منها، وهذه تؤدى إلى الدواء وتجريبه. هنا تتفاوت القدرات بين الدول، ولكن شهادة الخبراء هي أن مصر لديها قاعدة علمية متميزة. وثانيتها أن الدواء مسألة صناعية؛ فلا يكفى التوصل إلى دواء بعينه، وإنما يكون تصنيعه هو الذي يحوله إلى منتج. هنا أيضًا فإن الأرقام تشير إلى وجود قاعدة صناعية واعدة في مجال الدواء، حيث يبلغ عدد مصانع الأدوية في مصر ١٧٠ مصنعًا عام ٢٠٢٢، مقابل ١٣٠ في عام ٢٠١٥، بزيادة قدرها ٣١% تقريبا. القفزة الكبرى متوقعة بمشروع مدينة الدواء «جيبتو فارما» لتوطين الصناعة وإنشاء مركز إقليمى جاذب للشركات العالمية. وثالثتها أن الدواء مسألة اقتصادية لأنه لصيق بميزان المدفوعات، والميزان التجارى، وفى كليهما له علاقة بسعر الجنيه المصرى. وهنا أيضًا فإن السجل المصرى يبدو جيدًا، وخلال جائحة كورونا لم يكن هناك عجز في الدواء، وكانت مصر من أوليات الدول التي أتيح فيها اللقاح وجرى فيها تصنيع العلاج. وفى العموم تبلغ نسبة التصنيع المحلى من احتياجات مصر ٧٥% بالقيمة المالية؛ وبلغت هذه النسبة من التوطين ١٠٠% في صناعة دواء فيروس سى.

الإجماع الجارى بين الخبراء كان أنه في مجال الدواء توجد قاعدة علمية متميزة، وأخرى صناعية منتجة، كما أن مشروع التأمين الصحى المصرى قد بدأ بالفعل في عدد من المحافظات. ولكن إذا كان ذلك كذلك فعلًا، وأن الدواء يمكن أن يكون أحد الامتيازات التسويقية للصناعة المصرية، فلماذا لا يزال عائد التصدير ضئيلًا-٦٩١ مليون دولار فقط عام ٢٠٢١. هنا تحديدًا تطل علينا فورًا ظاهرة «الجزر المنعزلة» أي العلمية والصناعية والاقتصادية. الجامعات ومراكز البحوث تنتج كثيرًا من الإنتاج العلمى، ولكن هذه لا تشكل استجابة مباشرة لحاجة السوق المحلية فضلًا عن الدولية من أبحاث علمية تحل إشكاليات وعقد الصناعة. الواقع أن هناك انفصالًا قائمًا بين الساحة الصحية ممثلة في المستشفيات التي تشكل السوق والطلب على منتجات أدوية بعينها يكون لمصر فيها مزايا نسبية.

هناك في هذه القضية ما هو أعمق بالنسبة لانفصال الجزر تحتاج ما هو أكثر من الاستقصاء. البحوث العلمية طرحت لدينا أن «البيروقراطية» لديها ميل دائم للعزلة والابتعاد بمجالها، حفاظًا على الميزانية أو التأثير السياسى. البحوث ذاتها نبهت إلى دور «السياسة» في خلق إطارات تؤدى إلى التعاون بين جزر منعزلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى مسألة الجُزر المنعزلة فى مسألة الجُزر المنعزلة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon