توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العلامة الدولية المصرية

  مصر اليوم -

العلامة الدولية المصرية

بقلم - عبد المنعم سعيد

كان الحوار فى حلقة تليفزيونية عن القوة الناعمة المصرية، وما بين قضايا كثيرة متفرعة برز التساؤل عن الحاجة إلى ما يسمى بالعلامة الدولية لمصر. القصة من أولها تبدأ من خصائص العلاقات الدولية، حيث تسود المنافسة والسباق والتشاحن والفوضى، حيث لا توجد لا سلطة حاكمة، ولا وسيلة ناجعة للتقاضى وسيادة القانون. لا يزال القانون الدولى بدائيا، ولا تزال الدول تتعامل مع بعضها البعض على أساس ما هو معلوم من توازن القوى الذى يضم عناصر شتى عسكرية واقتصادية وثقافية؛ وفى هذه الأخيرة توجد صورة الدولة أو ما ينطبع فى أذهان الآخرين عنها. القوة Power تعنى القدرة على التأثير فى الآخر، فى هذه الحالة دولة أو دول أخرى، بحيث يمكن تغيير المواقف من حالة إلى حالة أخرى، ومن المعارضة للتأييد أو الحياد إذا ما تعذر الأمر. التقسيم التقليدى لأشكال القوة أنها صلبة وناعمة؛ والأولى تعنى القدرات العسكرية والاقتصادية ومهارة استخدامها فى الضغط والدفع والمقاومة، والثانية تستهدف التغيير السلمى فى مواقف الآخرين. وفى عصر أصبحت فيه القوة الصلبة مكلفة للغاية، فإن القوة الناعمة تصبح أكثر أهمية، لأنها قد تغنى عن استخدام الأولى وضمن إطارها العام والمتعدد الأبعاد توجد العلامة الدولية للدولة أو Brand، أى تلك الصفات التى تُعرف بها دونما قول، ويأتى تأثيرها دونما ضجيج.

هى بشكل ما نوع من المعطيات التى تبزغ فور ذكر اسم بلد ما. خلال الفترة القصيرة الماضية شاهد العالم جنازة الملكة إليزابيث الثانية. الذى جرى تطبيقها خلال أحد عشر يوما من العروض، كل عرض منها له مذاق ونكهة مختلفة، ولكنها كلها تصب فى العلامة الدولية للدولة البريطانية. الأصالة والتقاليد والاستقرار فى رأس الدولة الذى لا يملك من أمره أو أمر الدولة الكثير، إلا أن وجودها قائم على كل ذلك. المفارقة هنا تأتى فورا مع الدول الأخرى حيث الثبات مهتز سواء بقوة السلطة المباشرة أو حتى من خلال الانتخابات العامة التى فى الدول الضعيفة لا تسفر عن رئيس أو حكومة.

الحالة البريطانية ليست وحيدة فى هذا الشأن، ولكنها فى كل الأحوال تبقى فريدة حتى بين الدول الملكية فى إتقان الملكية الدستورية فى التغيير والدوام. الدول الأكثر ديناميكية تجعل من ديناميكيتها علامة دولية؛ فكم من دول العالم تهتم بمتابعة الانتخابات الأمريكية المتوالية، وفى أوقات الانتخابات الرئاسية لا ينام الجمهور العالمى حتى يعرف من سوف يكون رئيس الولايات المتحدة. العلامة هنا مستقرة، ونموذج تحاول دول أخرى أن تقلده وتخافه فى نفس الوقت وتتأثر به فى كل الأحوال. مصر فى الواقع لها علامتها الدولية المستقرة، وفى عصرنا هذا عرفت بفجر الضمير والحضارة التى يتوق الجميع لمعرفة أسرارها الفرعونية من أول قيامها إلى انهيارها. وفى وقت كان يقاس بالقطن المصرى لضمان جودة أقطان أخري؛ وفى القرنين التاسع عشر والعشرين كانت مصر مركز الحركة فى إقليم الشرق الأوسط بالحداثة المبكرة، والمعرفة بالصناعة، والفنون المختلفة. بلغ من قدرة مصر التأثير من خلال قوتها الناعمة حتى أصبحت اللهجة العامية المصرية هى السائدة فى كل البلدان العربية بفعل السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة. تغير كل ذلك الآن وبدرجات مختلفة لأسباب لا تسمح المساحة بالتفصيل فيها، وبرزت وصعدت لهجات أخرى مكانها.

المشروع الوطنى المصرى يجرى رغم التحديات المختلفة العالمية والإقليمية والمحلية وما تسببه من أزمات وآلام؛ وفى سبيلنا إلى ضمان استمراره فإنه يتطلب كل أدوات القوة الناعمة ومن بينها العلامة الدولية للدولة، وهو الذى يبعث على الثقة ويدعو إلى التفاؤل ويجلب معهما موارد كثيرة. الدولة الوطنية هى أول التعريفات العالمية للدولة المصرية، فهى تعنى أولا التماسك والانسجام ما بين عناصر المجتمع وتنويعاته المختلفة والتى لا تنبع فقط من ضرورات دستورية تفرض منع التمييز، وإنما إلى ممارسة تاريخية ترفضه. الدولة الوطنية المصرية هى مطلب إقليمى يعانى الطائفية والمذهبية والثارات النابعة من تاريخ الفتن. وفى هذه البيئة تقف مصر رافعة رأسها بأنها أنهت الانحراف الإخوانى وأطاحت به خلال عام واحد من الممارسة التى تأخذ مصر إلى قلب الجحيم الذى لايزال مشتعلا فى دول تمارس الحرب الأهلية، وأخرى لا تعرف كيف تبقى حكومة مستقرة. الدولة الوطنية تعلمت من تاريخها المعاصر سمة الواقعية السياسية فى داخلها وفى إطارها الدولى والإقليمى، فلم تعد لا أسيرة أيديولوجيا إقليمية حالمة، ولا واقعة ضحية سمعة قائمة على مقاومة النظام العالمى المعاصر. مصر لديها القدرة على أن تعمر غزة وتعطى أهلها أملا، بينما تتعامل مع إسرائيل وتقيم معها منتدى للغاز فى شرق البحر المتوسط أحد أعضائه فلسطين كاملة العضوية. مصر لديها علاقات مستقرة وإستراتيجية مع الأقطاب الثلاثة فى العالم: الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، والصين.

مصر دولة بازغة تقع الآن فى جماعة الدول الصناعية الجديدة التى شبت عن الطوق من جوف التخلف والتبعية إلى الحداثة والتقدم الاقتصادى من منطلق المساهمة فى بناء عالم جديد وسعيد وقادر على تصحيح مساراته المدمرة. أهدافها مجسدة فى رؤية تنقلها مع كل زمن إلى نقطة أكثر تقدما، ومن خلال عناصر القوة المتنامية بالعلم والفعل والأصالة تواجه التحديات المميتة، بعضها مثل كوفيد ١٩، والمصائب التى تأتى من انفجارات حروب عظمى. هى جمهورية جديدة بفعل التغييرات الجغرافية والديموغرافية الجذرية الناجمة عن انتقالها من النهر إلى البحر، وإدارتها للثروة وليس للفقر، مع السعى الدائم لتجديد الفكر سواء كان مدنيا أو دينيا. التحسن الأخير فى العديد من المؤشرات العالمية من تحسن التنمية البشرية إلى المنافسة يعطينا خلال السنوات المقبلة المكانة التى تستحقها مصر فى السوق الدولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلامة الدولية المصرية العلامة الدولية المصرية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon