توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المرجعية والجهاز الإدارى للدولة

  مصر اليوم -

المرجعية والجهاز الإدارى للدولة

بقلم - عبد المنعم سعيد

سوف تعيش مصر خلال الأسابيع القليلة المقبلة ثلاثة أنواع من الحوار: أولها سوف يكون اقتصاديا بين خبراء الاقتصاد والمهتمين به سواء كانوا فى دوائر الإنتاج أو الاستهلاك، للخروج من الأزمة الاقتصادية التى نجمت عن الحرب الأوكرانية وتراكمات "الجائحة" وما تسببت فيه من إرباك للاقتصاد العالمي. وثانيها "الحوار الوطني" الذى سوف يدور فى ساحة أوسع فى المكان والزمان من المختصين، ومجاله التجربة الوطنية فى أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية أيضا. وثالثها حوار عالمى سوف يدور فى إطار الواجب الدولى لمصر فى "كوب ٢٧"، وسوف يدور بين دول العالم فى لحظة غير مواتية يتعارك فيها وتتوتر العلاقات بين الدولة الصناعية الكبرى فى النظام العالمى والمتحملة لذنوب وخطايا الكوكب والأخطار التى تحيط به. الحوارات الثلاثة لن تكون لا مغلقة ولا سرية وإنما سوف يكون ما يدور فيها متاحا للرأى العام المصرى ليرى ما فيها من أمور؛ ويخلق ذلك فرصة كبيرة لمراجعة، وليس التراجع، للمسيرة الوطنية التى بدأت منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحققت إنجازات ملموسة خلال السنوات الماضية. ولما كانت المساحة المتاحة فى هذا المقام محدودة لمناقشة ما سوف يجرى فى هذه الحوارات (٨٠٠ كلمة)، فإن التركيز حول القضايا الملحة يبدو ملحا. وفى هذا الصدد هناك أمران نظنهما فى مقدمة الحاجة إلى الفحص والتمحيص: أولهما ما هى المرجعية التى نستند إليها فى الحوار تقييما وتوصية؛ وثانيهما الجهاز الإدارى للدولة باعتباره العمود الفقرى لعملية التغيير الجارية فى مصر. وفى القضية الأولى فإن المعلوم هو أن المرجعية هى للدستور ورؤية مصر ٢٠٣٠. وفى الثانية فإن نموذج الدولة يقضى بأن يكون جهازها الإدارى حاكما فى إدارة الموارد ومواجهة التحديات إما بطريقة مباشرة، أو بالمشاركة مع القطاع الخاص والمبادرة الفردية فى المجتمع. وإذا كانت هذه وتلك تمثل ما هو معتاد فى التعامل مع المسيرة الوطنية، فإن الحديث هنا هو البحث عن "النموذج" الواجب اتباعه دعما للمرجعية؛ والإجراءات الضرورية للخروج من الأزمة الراهنة، ووضع القواعد التى تجعلنا أكثر قدرة وفعالية للتعامل مع أزمات مقبلة. فى كل جيل من أجيال مصر الحديثة كانت هناك مهمة كبرى عليه تحقيقها من أجل وطن عظيم. وإذا كان ممكنًا التلخيص، فإن المهمة الراهنة لا تقل فى تحديها عن تحقيق انطلاقة مصرية تتجاوز معضلات المرحلة الخارجية والداخلية إلى معدلات نمو عالية ليس فقط فى المجال الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك أن يكون الإنسان المصرى فى مستوى العصر الذى نعيش فيه. ولا أجد مثالًا يقرب من ذلك قدر تلك الحالة من الفوران الكبير فى دول شرق وجنوب شرق آسيا، التى دارت فى المدارين الصينى واليابانى فى عصور قديمة؛ ثم دخلت عليها نوبات الاستعمار الفرنسى والبريطانى والهولندى، والحروب العالمية، وكل حالات الفقر والوباء والمجاعة. الأمثلة اليابانية والصينية فى التقدم وبناء الإنسان كثيرة، ولكن آخر ما لفت الأنظار قادمًا من المنطقة كان استعداد كوريا الجنوبية لاستعمار القمر. وظلت التجربة الفيتنامية حاضرة ومُلِحّة فى الأذهان لفترة طويلة، وكان النضال الفيتنامى ملهمًا، ولكن ما هو مناسب هو دروس انتقال فيتنام من صفوف الدول النامية إلى قلب الدول البازغة؛ وعندما وصلت صادراتها إلى أكثر من ٢٦٤ مليار دولار سنويا فإن "التجربة النضالية" كانت فى البناء والتعمير، وجنبا إلى جنب مع بناء الإنسان الفيتنامى لكى يتناسب مع دولة متقدمة مثل تلك التى قامت فى كوريا الجنوبية من قبل. هذه الحالة الآسيوية تشكل مرجعية ناجحة للخيارات المصرية خلال المرحلة المقبلة، والهدية التى تأتى من الجيل السابق للجيل الحالى هى أن مصر قد باتت مُحرَّرة من كل احتلال وحضور أجنبى لأربعة عقود كاملة، وهذه لم تتحقق منذ ما قبل ثلاثة آلاف عام. المرجعية المشار إليها عرفت بناء عناصر القوة المختلفة من خلال أسواق مفتوحة تعمل كما تعمل اقتصاديات السوق فى البلدان المتقدمة؛ وفيها يجرى تجديد الفكر وعمران الثقافة بقوة الدفع الجارى فى بناء دولة حديثة.

هذه المرجعية باتت شائعة عالميا حتى فى منطقتنا العربية التى تنازعتها من قبل مرجعيات سلفية وإرهابية؛ ولكن ما يهمنا هنا أن مفتاح التغيير يبدأ دائما من الجهاز الإدارى للدولة ومدى قبوله للمشاركة فى إطار اقتصاد السوق من قبل قطاعات أخرى فى المجتمع يقع فى مقدمتها القطاع الخاص والمجتمع الأهلى، ومدى استعداده لقبول أشكال من اللامركزية الإدارية تتيح المرونة اللازمة لاتزان السوق المصرية. ما حدث فعليا خلال السنوات الماضية هو أن محاولات إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وضعت جانبا بينما ظل حجمه من الاتساع بحيث يتحدى ما جرى فى كل الدول المشار إليها أعلاه. وفى كثير من الأحيان فإن هذا الجهاز بات حزبا سياسيا ضاغطا على عملية التنمية بالتضخم العددى، والتزيد فى الإجراءات. ولم تكن هناك صدفة فى وجود ذلك الميل الدائم للتعامل مع المبادرات القومية من خلال إقامة مجالس عليا يصاحبها صناديق للدعم، وكلاهما مكلف، وأكثر من ذلك يصير معوقا. التعامل مع ذلك يحتاج الكثير من الشجاعة خلال الحوارات القادمة سواء من قبل المتخصصين فى الاقتصاد أو خلال الحوار الوطنى أو فى كليهما معا لأن ذلك سوف يحدد مدى الكفاءة فى التعامل مع القضايا المعقدة الراهنة. جدول الأعمال هنا هو كيف نجعل وثيقة ملكية الدولة وثيقة حية تقود إلى إعطاء الفرص للمبادرات الفردية وبجدول زمنى يستدعى سرعاتنا فى المشروعات العملاقة التى تليق بالدول الناهضة الصناعية فى آسيا، وبمرونة كافية من حيث السلطات للمحافظات المصرية والذى برزت آثاره الإيجابية أثناء "الجائحة". الحوارات فرصة لكى نضع الأساس لانطلاقة مصرية قادمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرجعية والجهاز الإدارى للدولة المرجعية والجهاز الإدارى للدولة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon